:أخبار الأوقافأوقاف أونلاينمن مؤلفات وزير الأوقاف

الأوقاف تصدر كتاب
” بناء الشخصية الوطنية “

في إطار اهتمامنا ببناء الشخصية الوطنية اعتمد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة طباعة الطبعة الأولى من كتاب ” بناء الشخصية الوطنية ” وهو خلاصة مجموعة من البحوث المتميزة التي تناولها مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التاسع والعشرين .

وقد لخص معالي الوزيرؤ فكرة الكتاب والتي تقوم على أن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان ، وأن الحفاظ على الأوطان أحد أهم الكليات والمقاصد الضرورية التي أصّلها الشرع الشريف.

كما يؤكد أن الوطنية الحقيقية ليست شعارات ترفع أو عبارات تردد ، إنما هي إيمان بالوطن ، وعمل دءوب لرفعة شأنه واستعداد دائم للتضحية من أجله .

ويعمل على تعزيز قيم الانتماء الوطني ، وتفاعل مؤسسات المجتمع من الأسرة ، إلى التعليم ، فالثقافة ، فالإعلام ، فسائر المؤسسات الوطنية ، في ترسيخ قيم المواطنة المتكافئة دون تمييز ، فالوطن لأبنائه جميعا ، وهو بهم جميعا.

    وقدم معالي الوزير لهذا الكتاب بمقدمة هامة جاء فيها : فمما لا شك فيه أن حب الوطن والحفاظ عليه فطرة إنسانية أكدها الشرع الحنيف, فهذا نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يقول مخاطبًا مكة المكرمة قائلاً : “واللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ الله ، وَأَحَبُّ أَرْضِ الله إلى الله ، وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ ؛ ما خَرَجْتُ”, ولما هاجر (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة واتخذها وطنًا له ولأصحابه الكرام لم ينس (صلى الله عليه وسلم) لا وطنه الذي نشأ فيه ولا وطنه الذي استقر فيه , حيث قال (صلى الله عليه وسلم): (اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ) , وعَنْ أَنَسٍ (رَضِيَ الله عَنْهُ) ” أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا” , وظل (صلى الله عليه وسلم) يقلب وجهه في السماء رجاء أن يحول الله (عز وجل) قبلته تجاه بيته الحرام بمكة حتى استجاب له ربه , فقال سبحانه:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهك فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }, فأكرمه (صلى الله عليه وسلم) بالتوجه إلى بيت الله الحرام , حيث أول بيت وضع للناس , وحيث نشأ (صلى الله عليه وسلم) في كنف هذا البيت وتعلق به عقله وقلبه .

    وقد قال الحافظ الذهبي مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” وكان يحبُّ عائشةَ ، ويحبُّ أَبَاهَا ، ويحبُّ أسامةَ ، ويحب سبطَيْه ، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ ، ويحب وطنه”, وقال عبد الملك بن قُرَيْبٍ الأصمعي: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده ، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه ، وتشوُّقه إلى أهله ، وبكائه على ما مضى من زمانه.

    وفي السياق والمناخ الفكري الصحي لا يحتاج الثابت الراسخ إلى دليل , لكن اختطاف الجماعات المتطرفة للخطاب الديني واحتكارها له ولتفسيراته جعل ما هو في حكم المسلمات محتاجًا إلى التدليل والتأصيل , وكأنه لم يكن أصلاً ثابتًا , فمشروعية الدولة الوطنية أمر غير قابل للجدل أو التشكيك , بل هو أصل راسخ لا غنى عنه في واقعنا المعاصر .

    وقد قرر الفقهاء أن العدو إذا دخل بلدًا من بلاد المسلمين صار الجهاد ودفع العدو فرض عين على أهل هذا البلد رجالهم ونسائهم , كبيرهم وصغيرهم , قويهم وضعيفهم , مسلحهم وأعزلهم , كل وفق استطاعته ومُكنته , حتى لو فنوا جميعًا , ولو لم يكن الدفاع عن الديار مقصدًا من أهم مقاصد الشرع لكان لهم أن يتركوا الأوطان وأن ينجوا بأنفسهم وبدينهم .

   على أن المواطنة الحقيقية تعني حسن الولاء والانتماء للوطن ، والحرص على أمن الدولة الوطنية ، واستقرارها ، وتقدمها ، ونهضتها ، ورقيها  , كما تعني الالتزام الكامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعًا , دون أي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة , غير أن تلك الجماعات الضالة المارقة المتطرفة المتاجرة بالدين لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية , فأكثر تلك الجماعات إما أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية أصلاً من الأساس , أو أن ولاءها التنظيمي الأيديولوجي فوق كل الولاءات الأخرى وطنية وغير وطنية , فالفضاء التنظيمي لدى هذه الجماعات أرحب وأوسع بكثير من الدولة الوطنية والفضاء الوطني .

ونستطيع أن نؤكد وباطمئنان على أمور ، أهمها :

أولاً : أن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان ، وأن العمل على تقوية شوكة الدولة الوطنية وترسيخ دعائمها مطلب شرعي ووطني، وأن كل من يعمل على تقويض بنيان الدولة أو تعطيل مسيرتها ، أو تدمير بناها التحتية ، أو ترويع الآمنين بها ، إنما هو مجرم في حق دينه ووطنه معًا .

ثانيا : أنه حيث تكون المصلحة ، ويكون البناء والتعمير ، فثم شرع الله وصحيح الإسلام، وحيث يكون الهدم والتخريب والدمار فثمة عمل الشيطان وجماعات الفتنة والدمار والخراب .

ثالثا : أن كثيرًا من المشكلات العصرية وحالات الشقاق التي تصل إلى حد الاحتراب والاقتتال المجتمعي أو الدولي أحيانًا , يمكن أن يُحلَّ الكثير منها بإقرار مبدأ المواطنة المتكافئة ، وترسيخ فقه المواطنة بديلًا لفقه الأقلية والأكثرية ، فمصطلح الأقلية والأكثرية يشعرك ابتداءً بأن هناك فريقين ، أحدهما قوي والآخر ضعيف , ولو بالمقياس العددي ، أما مبدأ المواطنة المتكافئة فتذوب فيه العصبيات الدينية والعرقية والطائفية والمذهبية والقبلية، وسائر العصبيات الخاطئة المدمرة .

رابعا : أن أكثر الدول إيمانًا بمبدأ المواطنة وحرصًا على تطبيقه وأكثرها إيمانًا بحق التنوع والاختلاف واعتباره إضافة وتراثًا ؛ هي أكثر الدول أمنًا وأمانًا واستقرارًا وتقدمًا وازدهارًا ، كما أن جميع الدول التي وقعت في فخ الاحتراب والاقتتال الطائفي أو العرقي أو المذهبي أو القبلي عصفت بها المحن , فسقطت وتمزقت وهوت وتشـرد أبناؤها وعانوا الأمرين , ولَم تقم لها ولا لهم قائمة .أ

خامسا : أن العلاقة بين الدين والدولة ليست علاقة عداء ولن تكون , فالدولة الرشيدة صمام أمان للتدين الرشيد , وإن تدينًا رشيدًا صحيحًا واعيًا وسطيًّا يسهم وبقوة في بناء واستقرار دولة عصرية ديمقراطية حديثة تقوم على أسس وطنية راسخة وكاملة , وإن دولة رشيدة لا يمكن أن تصطدم بالفطرة الإنسانية التي تبحث عن الإيمان الرشيد الصحيح , على أننا ينبغي أن نفرّق وبوضوح شديد بين التدين والتطرف , فالتدين الرشيد يدفع صاحبه إلى التسامح , إلى الرحمة , إلى الصدق , إلى مكارم الأخلاق , إلى التعايش السلمي مع الذات والآخر , وهو ما ندعمه جميعًا , أما التطرف والإرهاب الذي يدعو إلى الفساد والإفساد , والتخريب والدمار , والهدم واستباحة الدماء والأموال , فهو الداء العضال الذي يجب أن نقاومه جميعًا , وأن نقف له بالمرصاد , وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة للقضاء عليه حتى نجتثه من جذوره.

   وفي هذه المعادلة غير الصعبة يجب أن نفرق بين الدين الذي هو حق , والفكر الإرهابي المنحرف الذي هو باطل , موقنين أن الصراع بين الحق والباطل قائم ومستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , على أن النصر للحق طال الزمن أو قصر , حيث يقول الحق سبحانه : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء : 18).

    إننا لأصحاب قضية عادلة , قضية دين , وقضية وطن , فكل ما يدعو للبناء والتعمير , والعمل والإنتاج , وسعادة الناس وتحقيق أمنهم واستقرارهم , لهو الدين الحق والإنسانية الحقيقية والوطنية الصادقة , وكل ما يدعو للفساد والإفساد , والتخريب والقتل , يدعو إلى ما يخالف الأديان وسائر القيم النبيلة والفطرة الإنسانية القويمة.

   الدين والدولة لا يتناقضان , الدين والدولة يرسخان معًا أسس المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات , وأن نعمل معًا لخير بلدنا وخير الناس أجمعين , أن نحب الخير لغيرنا كما نحبه لأنفسنا , الأديان رحمة , الأديان سماحة , الأديان إنسانية , الأديان عطاء.

    الدين والدولة يتطلبان منا جميعًا التكافل المجتمعي , وأن لا يكون بيننا جائع ولا محروم ولا عارٍ ولا مشرد ولا محتاج.

    الدين والدولة يدفعان إلى العمل والإنتاج , والتميز والإتقان , ويطاردان البطالة والكسل, والإرهاب والإهمال , والفساد والإفساد , والتدمير والتخريب , وإثارة القلاقل والفتن , والعمالة والخيانة.

   ونؤكد أن من يتوهمون صراعًا لا يجب أن يكون بين الدين والدولة ويرونه صراعًا محتَّما إما أنهم لا يفهمون الأديان فهمًا صحيحًا , أو لا يعون مفهوم الدولة وعيًا تامًّا , فالخلل لا علاقة له بالدين الصحيح ولا بالدولة الرشيدة , إنما ينشأ الخلل من سوء الفهم لطبيعة الدين أو لطبيعة الدولة أو لطبيعتهما معًا .

   كما نؤكد على ضرورة احترام دستور الدولة وقوانينها , وإعلاء دولة القانون , وألا تنشأ في الدول سلطات موازية لسلطة الدولة أيا كان مصدر هذه السلطات , فهو لواء واحد تنضوي تحته وفي ظله كل الألوية الأخرى , أما أن تحمل كل مؤسسة أو جماعة أو جهة لواءً موازيًا للواء الدولة فهذا خطر داهم لا يستقيم معه لا أمر الدين ولا أمر الدولة.

سادسًا : أن الوطنية الحقيقية ليست مجرد شعارات ترفع أو عبارات تردد , الوطنية إيمان وسلوك وعطاء , الوطنية نظام حياة وإحساس بنبض الوطن وبالتحديات التي تواجهه , والتألم لآلامه , والفرح بتحقيق آماله , والاستعداد الدائم للتضحية من أجله.

    الوطني الحق لا يكذب وطنه , ولا يخون أهله , ولا يغشهم , ولا يخدعهم , ولا يتآمر عليهم , ولا يبيع قضاياهم بأي ثمن ثمين أو بخس , الوطني الحق كالمثقف الحق لا يباع ولا يشترى بالدنيا وما فيها.

الشخصية الوطنية هي التي على استعداد لأن تحترق لتنير دروب الوطن , ولأن تفتديه بنفسها وما تملك , وتعرف للوطن حقه وقدره , وتدرك أنها بلا وطن كالسمك بلا ماء , وكالطائر بلا هواء , وقد تغنى الشعراء كثيرًا بحب الوطن وعبروا عن آماله وآلامه وشعورهم تجاهه وحنينهم إليه , نذكر من ذلك قول شوقي :

بِـلادٌ مـاتَ فِتيَتُهـــــا لِتَحـيـــا

وَزالـــوا دونَ قَومِهِـمُ لِيَبـــقـــوا

وَقَفتـُــمْ بَيــنَ مَـوتٍ أَو حَيـــاةٍ

فَإِن رُمتُــمْ نَعيمَ الدَهـــرِ فَاشْقَـوا

وَلِلأَوطـانِ فـــي دَمِ كُــلِّ حُــرٍّ

يَـدٌ سَلَفَــــت وَدَيــــنٌ مُستَحِـقُّ

وَمَن يَسقـى وَيَشـــرَبُ بِالمَنــايـا

إِذا الأَحرارُ لَم يُسقــوا وَيَســقــوا

وَلا يَبــني المَمــالِكَ كَالضَحايـا

وَلا يُدني الحُقــــــوقَ وَلا يُحِـــقُّ

وَلِلحُـرِّيَّـــةِ الحَمــراءِ بـــــابٌ

بِكُـلِّ يَــــدٍ مُضَــرَّجَـــةٍ يُـــدَقُّ

 

وقوله أيضًا :

لنــا وطـــنٌ بأَنفسِـــــــنا نَقـــيه

وبالدُّنيـا العريضــــة ِ نَفتــــديـه

إذا مــا سيــــلَتِ الأرواحُ فــــيه

بذلنـاها كــــأنْ لـــم نـعطِ شيَّـا

نقـــومُ علــــى البنــايةِ محسنـينا

ونعهَـدُ بالتَّمـــامِ إلـــى بنيــــنا

إليْكِ نَموتُ ـ مِصْرُ ـ كما حَييـنــا

ويبقى وجهـــكِ المـــفديُّ حيَّــا

*  وقول أحمد محرم:

من يُسعــــدُ الأوطـانَ غيـــرَ بَنِيهَا

ويُنيلُـها الآمــالَ غَيــــر ذَوِيــــها

ليس الكريمُ بمن يَـرى أوطـــانَــه

نهـــب العــــوادي ثم لا يحمــيها

ترجـو بنجدتــه انقضــــاء شقائها

وهـــو الـذي بقعـــوده يشقيـــها

وَتَـوُد جَاهـــدة ً بــه دَفْــع الأَذَى

 

عن نفســها وهـــو الـــذي يُؤْذيِها

وَلَقلَّمـــا أَرضـىَ امــرؤٌ أوطــاَنِـه

حَتَــــى تَــــرَاهُ بِنَفْسـهِ يَفْديِهَــــا

*  وقول رشيد سليم الخوري:

بِنْـــتَ العُرُوبَـةِ هَيِّئِــــي كَفَنِـي

أَنَا عَـائِدٌ لأَمُــوتَ فِـــي وَطَنِــي

   لهذا كله كان اختيارنا لقضية : “بناء الشخصية الوطنية وأثره في تقدم الدول والحفاظ على هويتها” موضوعًا لمؤتمرنا الدولي التاسع والعشرين الذي نظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة في 13- 14 جمادى الأولى 1440هـ الموافقين 19- 20 يناير 2019م.

   ويسرنا أن نقدم في هذا الكتاب نخبة مختارة من أبحاث هذا المؤتمر ، قدمنا لها بتوصياته ، آملين أن يشكل هذا وذاك إضافة حقيقية في موضوع بناء الشخصية الوطنية.

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل .

للاطلاع على الكتاب اضغط هنا

 

اظهر المزيد

منشور حديثّا

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى