:أخبار الأوقافأوقاف أونلاين

وزير الأوقاف خلال كلمته بالندوة التثقيفية
للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد
يؤكد : الدول لا يبنيها إلا عظماء النفوس والهمم
ورجل فقير في دولة غنية قوية
خير من رجل غني في دولة فقيرة ضعيفة

وهذا هو نص كلمته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية

الحضور الكريم

    لعل أهم ما يجب أن نبينه للعالم كله هو تحديد مفهوم الشهادة ، ومن هو شهيد الحق ومن هو قتيل الباطل ، إذ إن الجماعات الإرهابية الضالة تستخدم نفس النصوص التي تتحدث عن منزلة الشهيد وللأسف الشديد تستخدم نفس الآيات ونفس الأحاديث ، لاوية أعناق النصوص ، محرفة الكلمَ عن مواضعه , موهمة عناصرها الإجرامية بأنهم شهداء ، فهم يقتلون ويذبحون ويحرقون ويمثلون بالبشر باسم الإسلام وتحت راية القرآن , والإسلام والقرآن بريئان من كل ذلك .

ومن ثمة لزم التأكيد على أمور :

أولا : ما وضحه بيان الأزهر الشريف وأكدته كل من وزارة الأوقاف ودار الإفتاء من أن الشهداء الحقيقيين هم مَن يُدافِعون عن وطنهم ضدَ كلِّ مُعتَدٍ ويَدفعون أرواحهم فداءً لأهله وأرضـه وبحـره وسمـائـه ، وليس هؤلاء الذين يُرَوِّعـون أهلَ وطنهـم ويُهَدّدون أمنهم وأمانهم ويَسعَونَ في الأرض فسادًا ، “وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” , وقد سأل رجل النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ . قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ . قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ”  , وليس الوطن أقل شأنا من المال , بل هو أولى وأعز , وقد قالوا رجل فقير في دولة غنية خير من رجل غني في دولة فقيرة ضعيفة هزيلة ، فالأول له دولة تحمله وتحميه والثاني لا سند له , وهذا هو الفارق بين فقه الجماعات وفقه الدول , فالدول لا يبنيها إلا عظماء النفوس والهمم.

   ولا جدال أنّ من واجبات المسلم أن يكون وفيًّا لوطنه ، مخلصًا له ، مدافعًا عنه بكل ما يملك من قولٍ أو فعلٍ ، وأن حُبَّ الأوطان من الإيمان ، وأنّ ذلك مما تؤيّده العقيدة الإسلاميّة والسنة النبوية وتجمع عليه سائر الشرائع والملل بل ويتفقّ عليه أصحاب الفِطَر السليمة  والعقول الرشيدة ، فالحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان , إذ لا يوجد وطني شريف لا يكون على استعداد لأن يفتدي وطنه بنفسه وماله ، فإذا ضاع الوطن فلا بقاء للنفس ولا للعرض ولا للمال ولا للدين , إذ لا بد للدين من وطن يحمله ويحميه ، فهل يمكن لفاقد الوطن المشـرد بكل ما تحمله هذه الكلمةُ من معانٍ أن يقيم دينًـا أو دولة.

ثانيـا : ما أجمع عليه العلماء قديمًا وحديثًا ولم يشذ فيه أحد ممن يعتد برأيه من العلماء والفقهاء من أن إعلان الجهاد القتالي وهو ما يعرف في عصرنا الحديث بإعلان حالة التعبئة العامة أو التعبئة النوعية أو إعلان حالة الحـرب أوالسلم ليس حقا لعامة الناس أو آحـادهم أو حـزب أو جمـاعة ، إنمـا هو حـق لـرئيس الدولة ، أو مجلس أمنها القومي ، وفـق ما ينص عليه وينظمه قانون كل دولة ودستورها.

ثالثا : أن مكانة الشهداء الحقيقيين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه عظيمة عند الله (عز وجل) , فهم في الحقيقة ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ”, ويقول (عز وجل) : ” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.

رابعا : نوجه كل التحية والتقدير لقواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا الوطنية الباسلة على ما يقدمون من تضحيات غالية في سبيل الحفاظ على كل ذرة من ثرى وطننـا العـزيز , كما نوجه التحية إلى والد كل شـهيد ، وإلى أم كل شهيد ، وإلى زوجة كل شهيد ، وأحمل لزوجة كل شهيد بشرى الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول عليه الصلاة والسلام: ” أنا وامرأة سعفاء الخدين هكذا في الجنة – وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى – امرأة حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتت” ، وإذا كان هذا جزاء من تحبس نفسها على تربية يتاماها بصفة عامة ، فما بالكم لو كانت من حبست نفسها عليهم هم أبناء الشهيد الذي ضحى بنفسه وروحه في سبيل وطنه ، مع تأكيدنا على فضل رعاية أسر الشهداء واحتضانهم مجتمعيا , فليس أحد أعـز على المجتمع ممن ضحى بنفسه في سبيله ، وحق للشهيد أن نؤرخ ليومه:

يـومَ الشَهيــد تحيــةٌ وسـلامُ

بك والنضالِ تؤرَّخُ الأيام

يـومَ الشَهيــد تحيــةٌ وسـلامُ

بك والنضال تحرر الأوطان

ونذكر بقول الحجاج الثقفي ، إياكم وأهل مصـر في ثلاث : احذروا أرضهم ، وعرضهم ، ودينهم ، فإنكم إن اقتربتم من أرضهم قاتلتكم صخور جبالهم ، ولو اقتربتم من نسائهم لافترسوكم كما تفترس الأسد فرائسها ، ولو مسستم دينهم أحرقوا عليكم دنياكم.

وختاما : يجب أن نوجه تحية واجبة لسيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي الذي فتح أمامنا باب الاجتهاد والتجديد واسعًا لنعيد قراءة تراثنا الفكري والفقهي قراءة عصرية في إطار الحفاظ على الثوابت ، مؤكدين أن التجديد سنة كونية , فقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ” , على أن المجدد قد يكون عالما فقيها أو حاكما عادلا , أو قائدًا مصلحا , أو مؤسسة رائدة , أو ذلك كله معا , وهنا يكون التجديد أسرع وأشمل وأعمق وأدق , لأنه يكون حينئذ نابعا من روح الأمة كلها ، داعين الله (عز وجل) أن يسبغ واسع فضله وحمته على جميع شهدائنا من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا الوطنية وكل من ضحى بنفسه في سبيل مصرنا العزيزة وتحقيق أمنها وأمانها وأمن البشرية جمعاء ، ونسأله سبحانه أن يسكنهم جميعا فسيح جناته ، وأن يجعلهم في الفردوس الأعلى ، وأن ينعم عليهم بنظرة الرضا التي يرضى بها عنهم فلا يغضب بعدها أبدًا ، وأن يلقي في قلوب أمهاتهم وأبائهم وذويهم الصبر والسلوان ، وأن يملأ قلوب زوجاتهم وأبنائهم بالرضا والسكينة ، وأن يخلفهم خيرًا في أهلهم ووطنهم، وأن يكرمهم في أبنائهم وبناتهم ، وأن يوفقنا للسير على خطاهم في إخلاصهم لوطنهم وأن يجعل مصرنا العزيزة أمنًا أمانًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد العالمين.

*         *          *

 

اظهر المزيد

منشور حديثّا

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى