تحية وتقدير للأستاذ / فريد إبراهيم ولصحيفة الجمهورية على العرض المتميز لكتاب : “قواعد الفقه الكلية .. رؤية عصية ”
يسر المركز الإعلامي بوزارة الأوقاف أن يتقدم بخالص الشكر والتقدير للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ/ فريد إبراهيم ولصحيفة الجمهورية على العرض المتميز لكتاب : “قواعد الفقه الكلية .. رؤية عصية” اليوم الجمعة 1 / 3 / 2019م , والذي جاء فيه :
قواعد الفقه الكلية .. رؤية عصرية
الاجتهاد يتغير.. باختلاف الأعراف والعادات
إهمال المقاصد .. أدي إلي التعصب والجمود
يأتي كتاب قواعد الفقه الكلية في إطار منهج المجلس الأعلي للشئون الإسلامية برئاسة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في تيسير الفقه والبحث الجماعي وإحياء التراث العظيم الذي تركه لنا عظماء في العلم والفقه والرؤية الشاملة إلا أن منهج المجلس هو إعادة تقديم هذا الفكر بلغة عصرية وأسلوب بسيط يفيد به العالم والمتعلم والانسان البسيط.
وإذا كان الأوائل قد وضعوا قواعد عامة للفهم والاستنباط والافتاء بإنزال الأحكام علي الحوادث المستجدة إلا أن طول الزمن وظهور عشرات الكتب التي تتضمن المسائل الفقهية بشروحها وتفريعاتها أصبحت هذه الكتب هي مصدر المعرفة الفقهية بعد أن كانت فرعا ونتاجا.. وصار حفظها طريقا لأجيال متعاقبة للمعرفة الفقهية فتراجعت آلية صناعة الفقيه الذي يتم بناء رؤيته عقليا من خلال النظريات العامة ليقدم بعد ذلك رأيه فيما يظهر أمامه من مشكلات ومسائل.. فانقلب الأمر ليصبح المتصدر للافتاء حافظا لمسائل فقهية يحاول تطبيقها علي مثيلاتها حتي ولو اختلفت الظروف والأولويات. ويبدو أن هذه الطريقة بدت سهلة للباحثين عن المعرفة- بلغة المأكولات- المبسترة أي المحفوظة والجاهزة التي لا تحتاج إلي إعمال عقل وإنما هي مسائل محفوظة يتم الرد بها علي نفس موضوعها وإن تغيرت الظروف كما قلنا لذا شاهدنا غرائب الفتاوي في عصرنا لأن قائلها نقلها من أزمان بعيدة لها ظروفها وبيئتها وأعرافها ليطبقها علي موضوع معاصر فبدت كأهل الكهف في هيئتهم التي بدوا بها أمام قوم جاءوا بعدهم بأكثر من 300 عام “لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعيا”.
أمران مهمان
كتاب قواعد الفقه الكلية رؤية عصرية يحاول إعادة منطلقات الفقيه إلي أصلها. وهي النظرية أو القواعد العامة بدلاً من الانطلاق من المسائل غير المتناهية والتي يصعب حصرها في حين أن النظرية يسهل الوقوف عليها وهضمها بل حفظها.
تميز الكتاب بأمرين مهمين أولهما البساطة اللغوية والسهولة الأسلوبية والأمر الثاني هو فريق العلماء المشاركين فيه من خلال بحث جماعي انتهي بمراجعة من فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية الذي قدم للكتاب ببحث عن الفروق بين القواعد الفقهية والنظريات والفقهية وبين علم أصول الفقه والقواعد الفقهية ثم حدد القواعد العامة وهو بحث نستطيع أن نسميه جوهرة التاج.
أما الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف فقد قدم الكتاب موضحا فكرته كعالم ووزير يتولي إصدار كتب المجلس بهيئتها الجديدة التي تعتمد علي التيسير وعلي البحث الجماعي وعلي إعادة تقديم الكنوز الفكرية الإسلامية بمنهج يصل إلي الناس بسهولة ويسر أن يحقق المقصد الأساسي من وضع الكتب وهو تعليم الناس وتثقيفهم وتحبيب التعلم إليهم.. كم تعيد صناعة الوعي والتفكير والرؤية في كثير مما تعود عليه الناس حتي تعامل معه البعض علي أنه ثوابت وهو ليس كذلك.. لذلك قال الوزير في تقدمته: فقد غلبت لعقود طويلة وربما لقرون عديدة قضايا التقليد علي قضايا الإبداع والتجديد. وغلبت مناهج الحفظ والتلقين وطغت علي مناهج الفهم والتفكير مما نتج عنه تقديس أو ما يشبه التقديس لغير المقدس من الآراء والأفكار والشروح المتعلقة بالأحكام الجزئية والفتاوي القابلة للتغير بتغير الزمان والمكان أو أحوال الناس وأعرافهم وعاداتهم وواقع حياتهم مما لم يرد فيه نص قاطع ثبوتا ودلالة.
ويقول: لقد أدي الاعتماد علي حفظ بعض الأحكام الفقهية الجزئية مع ضعف الاهتمام بالقواعد الكلية وفقه المقاصد وفقه الاولويات وأصول الاستنباط إلي حالة من التعصب الشديد لدي بعض المقلدين من جهة وضيق الأفق والجمود والتحجر عند الرأي المحفوظ لدي بعضهم من جهة أخري.
في مقدمته يقول الدكتور شوقي علام: إن التمسك بالكليات هو الأساس في العمق العلمي لدي الفقيه والعالم الذي يتصدي لتحرير المسائل الكلية التي تجمع بين طياتها جزئيات لا تنحصر غير أن العالم يكون مالكا لزمامها بتمكنه من الاحاطة بهذه الأصول والكليات ويستشهد الدكتور شوقي بقول القرافي: من ضبط الفقه بقواعده استغني عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب واجاب الشاسع البعيد وتقارب وحصل طلبته في أقرب الأزمان وانشرح صدره لما أشرق فيه من بيان.
ويذكر أن الوقوف عند الجزئيات دون معرفة الرابط الحقيقي بأصولها وقواعدها أوقعنا في كثير من المشكلات المنهجية التي أثرت تأثيراً مباشراً علي مسيرة العلم الشرعي المفيد في ربطه بواقع الناس والدليل علي هذا ما نشهده في الوقاع المعيشي من فوضي مقلقة من الفتاوي التي لم تراع تغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص أو بعبارة أخري لم تراع هذه الفتاوي الأسباب التي تمثل الجهات الأربع التي تتغير بها الفتوي.
حرص الدكتور شوقي علي التمييز بين القواعد الفقهية وما يشبهها مثل الضابط الفقهي والقاعدة الأصولية والنظرية الفقهية فذكر أن الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي أن موضوع القاعدة هو ضم الجزئيات خلال أبواب شتي تشمل جميع أبواب الفقه ولا تختص بمذهب واحد وإنما تتفق المذاهب علي مضمونها.. أما الضابط الفقهي فهو يضم جزئيات مختصة بباب فقهي واحد فقط بل قد يختص بمذهب معين غالبا بل بعض الضوابط تختص بفقيه معين مثل: اليقين لا يزول بالشك والمشقة تجلب التيسير من قبيل القواعد العامة التي تشمل سائر أبواب الفقه وكذلك المذاهب أما قولهم: “كل ماء يتغير أحد أوصافه فهو طهور” فهذا ضابط لانه يشمل جزئيات باب واحد وهو الطهارات.
وفي تمييزه بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية يذكر أن القواعد الأصولية تتعلق بالألفاظ “النصوص” ودلالتها علي الأحكام أما القواعد الفقهية فتتعلق بالأحكام ذاتها.. وهذا يعني أن القاعدة الأصولية تجمع الأدلة والقاعدة الفقهية تجمع الأحكام.. كما أن القاعدة الأصولية تضبط عملية الاجتهاد وطرق استنتاج الحكم لكن القاعدة الفقهية هي بحكم جامع يربط المسائل والفروع في مختلف الأبواب.
وفي تمييزه بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية يذكر أن النظرية تشمل مجموعة قواعد فقهية أي أن القواعد تمثل جزئيات يجمعها رابط واحد.. وقد تكون القاعدة بالنسبة للنظرية كالضابط الفقهي بالنسبة للقاعدة الفقهية اذن النظرية هي ربط بين قواعد فقهية تجمعها وحدة موضوعية مثل نظرية “الاثبات” فهي تتألف من حقيقة الاثبات والشهادة وشروطها وكيفيتها والإقرار “أي اقرار المتهم” والقرائن والأدلة والكتابة واليمين والقسامة واللعان ومسئولية الشاهدة ومعلومات القاضي.
وفي أهمية القواعد الفقهية يذكر المفتي أنها تعين المشتغل بالفقه علي تنمية وتكوين ملكاته العلمية من خلال ربط الجزئيات بالكليات كما تيسر معرفة الأحكام وتخريج المسائل وإلحاقها بأصولها وتساعد علي رفع التعارض الظاهر بين الفروع الفقهية وأحكامها الشرعية.
الأمور بمقاصدها
كانت هذه القاعدة الأولي من القواعد الخمس التي تناولها العلماء بالشرح والتفصيل وقد قام بشرح هذه القاعدة الدكتور محمد عبدالستار رئيس قسم الفقه بكلية الدراسات العليا وقد ابتدأ بهذه القاعدة لأنها القاعدة التي تبني عليها الأعمال كلها بل يترتب عليها الثوابت بل والعقاب في العمل الواحد باختلاف نية الفاعل. ويؤكد الدكتور الجبالي هذه الحقيقة بقوله: انها تستند إلي حديث إنما الأعمال بالنيات الذي ذكر كثير من العلماء انه ثلث العلم.
وفي شرحه للقاعدة يري ان أعمال الانسان المكلف قولا أو فعلا تختلف نتائجها وأحكامها باختلاف مقصوده ونيته من الفعل فلو ترك الانسان المحرمات قاصدا الامتثال لأمر الشرع نال ثواب تركه ولكن لو تركها لأن نفسه لا تريد فعلها فلن ينال ثواب الترك وينتهي الدكتور الجبالي بعد تفصيلات حول “النية” إلي أثر هذه القاعدة من خلال تطبيقات عليها لأنها تشتمل علي أكثر أبواب الفقه وتحديد الأعمال المقبولة وهي قاعدة تجري في المعارضات كالبيع والشراء والتمليكات والإبراء والوكالات والضمانات والأمانات والعقوبات بالاضافة إلي العبادات.
ويذكر الدكتور الجبالي قواعد أخري تندرج تحت قاعدة الأمور بمقاصدها مثل العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني فصيغة العقد أي عقد قد يأتي فيها لفظان أحدهما بمفرده يدل علي عقد والآخر بمعناه يدل علي عقد آخر مثل أن يقول شخص لآخر وهبتك هذه السيارة بخمسين ألف جنيه فهل يعتد بلفظ “وهبتك” الذي يعني الهبة والهبة تكون بلا مقابل أو يكون الاعتداد بالكلام كله الذي تضمن قيمة وهي خمسون ألف جنيه فيكون الأمر بيعا وتصبح كلمة وهبتك لغوا هنا يفهم ان الأمر بيع وليس هبة لانه تضمن رقما ماليا وتصبح كلمة وهبتك بمعني بعتك.
القاعدة الأخري التي تندرج تحت قاعدة الأمور بمقاصدها: الايمان “القسم” مبنية علي الألفاظ لا الأغراض أي أن للفظ في القسم هو الضابط وليس الغرض من القسم فلو أن انسانا حلف ألا يشتري لآخر شيئا بدولار “كأنه يقول له لن اشتري لك شيئا” فاشتري شيئا بجنيه هنا لا يحنث في قسمه لأن الأيمان مبنية علي الألفاظ وهذا رأي الشافعية والحنفية لكن المالكية والحنابلة يعتبرون الأغراض هي الأصل وليس الألفاظ فنية الحالف هنا هي الحاكم والضابط سواء أوافق ظاهر اللفظ أم خالف وبالتالي لو اشتري بجنيه كما في المثال السابق حنث لأن القصد ألا يشتري له وقاعدة أخري مبنية علي قاعدة الأمور بمقاصدها وهي الايمان مبنية علي العرف فلو أقسم رجل ألا يسكن بيتا وكان من المدينة فلو أقام في خيمة لم يقع يمينه لان البيت في عرف أهل المدينة ليس خيمة أما المقصد أو الهدف الأهم لقاعدة الأمور بمقاصدها: فيتمثل في ضرورة الوقوف علي فقه النص ومغزاه ومرماه وعدم الوقوف عند ظاهر النص دون فهم مقاصده وأبعاده ومن نماذج ذلك حديث اسبال الثياب “من جر ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة” ففقه النص يبين ان من جر ثوبه دون كبر أو بطر فلا شيء فيه لأن الهدف من النص عدم التكبر والبطر بدليل أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما خشي أن يقع تحت هذا الحكم لأن ثيابه قد يحدث لها ذلك قال له رسول الله- صلي الله عليه وسلم- لست منهم يا أبا بكر لانه لا يجره خيلاء.
لا ضرر ولا ضرار
هذه القاعدة شرحها الدكتور محمد سالم أبوعاصي الأستاذ بكلية أصول الدين وعميد الدراسات العليا السابق بلغة شديدة التركيز والبساطة بعد مقدمة سريعة واضحة عرفت النظرية الفقهية والقاعدة ومقاصد الشريعة.
أما قاعدة لا ضرر ولا ضرار فقد ذكر أنها تؤكد رعاية الإسلام للمصالح في كل قطر وأوان مؤكدا ان الضرر إيذاء النفس بأي نوع من الأذي أما الضرار فهو ايقاع الأذي بالغير فلا يضر الانسان نفسه أو أحدا آخر ولا يقابل الانسان الضرر بالضرر واستدل الدكتور سالم عن تحريم ايذاء النفس بقوله: “ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة” أما دليل هذه القاعدة فقوله- صلي الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار من ضار ضره الله ومن شاق شق الله عليه”.
ويذكر الدكتور أبوعاصي قواعد متفرعة عن هذه القاعدة مثل: الضرر يدفع بقدر الامكان وهي تعني الوقاية خير من العلاج أي دفع الضرر المتوقع قدر الامكان وما تستحدثه الدول من قواعد مرور فهدفه دفع الضرر المتوقع وكذلك الحج الصحي.
والقاعدة الثابتة المتفرعة عن قاعدة لا ضرر ولا ضرار: “الضرر يزال” فمن واجب الانسان إزالة الضرر الذي يقع عليه أو علي غيره ومن ذلك الضرر العام الذي يقع علي بلد ما أو حي أو مدينة كالاساءة للطريق العام والاعتداء علي أراضي الدولة وتصريف المخلفات الضارة في النهر.
أما القاعدة الثالثة: الضرر لا يزال بالضرر وتعني عنه إزالة الضرر باعتباره واجبا لا يصح أن يكون بضرر آخر مماثل أو أكبر أو أقل إلا اضطرارا.
والقاعدة الرابعة: “يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام” فرجل الاطفاء يصاب بضرر وهو يدفع ضررا أكبر وهو يتحمل ذلك في سبيل دفع الضرر العام.
والقاعدة الخامسة “يزال الضرر الأشد بالضرر الأخف” ارتكاب أخف الضررين والقاعدة السادسة: “درء المفاسد أولي من جلب المصالح”.
اليقين لا يزال بالشك
هذه قاعدة تيسيرية كبري تهدف إلي رفع الحرج والمشقة عن المكلفين وفيها تقرير لمبدأ اليقين باعتباره أصلا معتبرا وإزالة الشك الذي كثيرا ما ينشأ عن وساوس الشيطان تناول هذه القاعدة الدكتور رمضان محمد عيد الهيثمي عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر.. وتمثل هذه القاعدة في أنه إذا ثبت لدي المكلف أمر من الأمور بشكل قطعي يفيد اليقين ثم طرأ عليه ظن أو شك أو وهم في زواله ونقصه فلا شك أن ذلك يؤثر عليه ومع ذلك يتم الأخذ باليقين ويترك الشك فاليقين يظل ساريا لا يغيره الشك حتي يقوم دليل جديد يعتد به في تغيير هذا اليقين فالأصل في الماء الطهارة سواء أكانت مياه أمطار أم أنهار أم بحار أم عيون أم آبار والشك في طهارتها لا يؤخد به أبدا إلا إذا قام دليل يقيني علي عدم طهارتها.
ويذكر الدكتور الهيثمي أدلة هذه القاعدة ومنها قوله تعالي: “إن الظن لا يغني عن الحق شيئا” ومن الحديث النبوي: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرك صلي ثلاثاً أو أربعاً فليطرح الشك وليبن علي ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلي خمساً شفعن له في صلاته وإن كان صلي اتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان”.
وتدخل هذه القاعدة في تطبيقات كثيرة بأبواب الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والمعاملات ومن القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة: قاعدة “الأصل بقاء ما كان علي ما كان” أي أن ما ثبت يقينا يحكم ببقائه.
ومن القواعد المندرجة أيضا: الأصل براءة الذمة لأن الانسان يولد بريئا من كل دين أو تكليف أو مسئولية أو التزام وتظل ذمته بريئة بناء علي هذا الأصل ودليل ذلك قول الرسول- صلي الله عليه وسلم: “البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر” فإذا ادعي رجل علي آخر انه استلف منه ألف جنيه وأنكر الآخر فعلي الرجل أن يثبت ماقال لأن الأصل براءة من اتهمه حتي يقر له هو أن يقدم دليلاً علي حقه عنده ومن القواعد المندرجة: “الأصل في الأمور العارضة العدم” أي ان الصفات والأمور الطارئة علي الشيء يحكم بعدم وجودها إلي أن يثبت بالدليل وجودها.
ومن القواعد أيضا: لا ينسب لساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة إلي البيان بيان” فالأصل عدم الاعتداد بالسكوت ولكن يستثني من ذلك السكوت الذي يدل علي الحاجة من خلال الملابسات والظروف ومن القواعد المندرجة تحت لايزال الشك باليقين أيضا قاعدة الأصل في الكلام الحقيقة أي أن كل لفظ وضع لمعني معين مباشر وواضح ولكن لا يتم التعامل مع اللفظ علي أنه مجاز أي اشارة لأمر آخر كان يقال عن الرجل أسداً إلا إذا كان في الكلام دليل يؤكد هذه الاشارة.
المشقة تجلب التيسير
هذه القاعدة تناولها الدكتور ياسر أحمد مرسي أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين وتهدف القاعدة إلي رفع الحرج عن الناس والتيسير عليهم والتأكيد علي أن دين الله يسر ومراعاة أحوال المكلفين وظروفهم.. أما معني القاعدة: انه إذا حالت الظروف دون تطبيق حكم من أحكام الشريعة فإن الضرورة تجعل المكلف يتخفف من الحكم الذي صار شاقا عليه إلي الأيسر منه أي يتحول مما لا يطيقه إلي ما يطيقه فمشقة الوضوء في البرد الشديد القاتل أو في امتناع الماء تجلب التيمم الذي هو يسير وعدم القدرة علي الصوم تجلب الاطعام أو التأجيل إلي وقت تتيسر فيه القدرة.
ويقسم الدكتور المشقة إلي نوعين: مشقة لا تسقط بها العبادة ومشقة تسقط بها العبادات أو التكليفات والتي لا تسقط بها العبادة كالوضوء والصوم والحج مثلا أما التي تسقط بها العبادة فثلاث مراتب هي مشقة عظيمة تخرج العمل عن طاقة الانسان كالخوف علي النفس أو علي أعضاء الجسم فيتم التخفيف والتيسير.
والثانية مشقة يسيرة لا تخرج بالفعل عن طاقة العبد كالوجع المحتمل.
والثالثة مشقة متوسطة بين المرتبتين فما قرب من المشقة العظيمة تلحق بها وما قرب من اليسيرة تلحق بها وما اختلف فيه العلماء فللانسان أن يختار لنفسه أيهما وهو مسئول عن نفسه.
ويذكر الدكتور ياسر أدلة هذه القاعدة من القرآن الكريم في قوله تعالي: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” وقوله: “ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علي الذين من قبلنا” وقوله: “وما جعل عليكم في الدين من حرج” ومن السنة المطهرة: قوله- صلي الله عليه وسلم- فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” وقول السيدة عائشة ما خير النبي- صلي الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
ومن القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة: الضرورات تبيح المحظورات “والضرورة تقدر بقدرها” وإذا ضاق الأمر اتسع وما جاز لعذر يبطل بزواله والحاجة تنزل منزلة الضرورة.
العادة محكمة
تناول القاعدة الدكتور هاني سيد تمام الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية وهي من القواعد المهمة التي تفيد أن العادة أو العرف يكون مرجعا للأحكام الشرعية ومثبتة له إذا لم يكن هناك دليل شرعي لهذا الحكم بشرط ألا تخالف النصوص الشرعية.
والقاعدة تقرر أن عادة الناس إذا لم تكن تخالف الشرع تكون حجة للعمل بها وقد أفرد الإمام البخاري في صحيحه في كتاب البيوع باباً يختص بعرف الناس وعوائدهم وترجم له بقوله: باب من أجري أمرا الأمصار علي ما يتعارفون بينهم في البيوت والاجارة والميكال والوزن وسننهم علي نياتهم ومذاهبهم المشهورة.
والعادة أوالعرف هو ما تعود عليه الناس وتعارفوا من تصرفات لا تخلف الشرع ومحكمة أي هي حكم عند الخلاف.
وفي تناوله لأدلة القاعدة ذكر الدكتور هاني قوله تعالي: “وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” فلم يحدد النص مقدار النفقة أو مقدار الكسوة وانما جعلها بالمعروف أي بما تعارف عليه الناس وتعودوا.
والعرف علي قسمين عرف صحيح يتوافق مع مراد الشرع وعرف فاسد يخالف النصوص القطعية كالبيئة التي تعودت شرب الخمر وغيره من المحرمات.
وقد قسم العرف الصحيح إلي قسمين عرف عام وعرف خاص والعام هو ما تعارف عليه الناس في جميع البلاد والخاص هو ما تعارف عليه أهل بلد دون غيره من البلاد.
وفي حديثه عن أثر العرف في تغير الأحكام ذكر ان الاحكام التي تتغير بالعرف والعادة هي الأحكام الاجتهادية التي تقبل التغير بناء علي تغير العرف.
وقد جاء في درء الحكام إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة إلي العرف والعادة وبتغير العرف تتغير الأحكام.. كما يعتبر العرف عند عدم وجود النص كما يتغير الحكم مع وجود النص لأن النص قام علي العرف في ذلك الزمان.
ومن القواعد المندرجة تحت قاعدة “العادة محكمة”: استعال الناس حجةيعمل بها والممتنع عادة كالممتنع حقيقة ولا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وبعد فالكتاب من الأهمية بمكان لأنه بمثابة النظرية العامة التي تضيء للسائرين في مجال الفقه تحفظ لهم طريقهم وتهديهم إلي غاياتهم.