قافلة علماء الأوقاف بمحافظة مطروح
تؤكد :
نحتاج إلى وعي حقيقي بالتحديات التي تواجهنا
وضرورة التصدي لها والعمل للحفاظ على الوطن والدفاع عنه
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار اهتمام وزارة الأوقاف بالقوافل الدعوية التي تجوب جميع محافظات الجمهورية ، انطلقت قافلة الأوقاف الدعوية لمحافظة مطروح يومي الخميس والجمعة 24، 25 /1 /2019م ، وقد واصلت القافلة عطاءها الدعوي بإلقاء الدروس الدينية بالمساجد الكبرى بمدينتي الضبعة والحمام بمحافظة مطروح ، وإلقاء خطبة الجمعة الموحدة تحت عنوان ” بناء الوعي وأثره في مواجهة التحديات ” ، حيث أكد أعضاء القافلة أنَّ الوعيَ بقيمةِ الوطن , وبالتحديات التي يُواجهها , وبالمخاطر التي تحيطُ به , أمرٌ لا غنى عنه .
فمن على منبر مسجد ” الرحمة ” بمدينة الضبعة أكد فضيلة الدكتور/ محمد شلبي مفتش عام بالوزارة أن قضية الوعي بالوطن ، وبمشروعية الدولة الوطنية ، وضرورة دعم صمودها ، والعمل على رقيها وتقدمها ، أحد أهم المرتكزات لصياغة الشخصية السّوية , وأحد أهم دعائم الولاءِ والانتماءِ للوطن والحفاظ على مقدراته وكل ذرة من ثراه النّدِي .
كما أشار إلى أن الوعي بالمخاطر يحتاج إلى إعمال العقل الذي كرَّم الله (عز وجل) به الإنسان حتى يميز بين الصالح والطالح ، حيث يقول سبحانه : {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، ويقول سبحانه : {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}، وقد نعى القرآن الكريم على أولئك الذين لا يُعملون عقولهم في التفكر والتدبر ، ولا يستخدمونها فيما خلقت له ، فقال تعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ}، ثم أخبر أن هؤلاء يوم القيامة تدوم حسراتهم ، ويعلنون ندمهم ، فقال سبحانه حكاية عنهم :{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِي}، ولذلك قيل: (إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةٍ) .
ومن على منبر المسجد الكبير بمدينة الضبعة أكد فضيلة الشيخ/ محمد هلال عامر عضو المركز الإعلامي أن أعداء الأمة دائمًا يراهنون على تغييب الوعي ، وليس ذلك جديدًا على أصحاب الدعوات الهدامة والأفكار المتطرفة الذين لا يرقبون في الأمة إلًّا ولا ذمة ؛ فمنذ بداية دعوة الإسلام قام أعداء الدين بمحاولات متعددة للصَّدِّ عنه ، معتمدين على تغييب الوعي بقلب الحقائق وكَيل الاتهامات ، قال تعالى : {وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}، وكذلك يغيبون الوعي بعدم إفساح المجال لمجرد سماع كلمة الحق ، قال سبحانه حكاية عنهم : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
ولا خلاف في أن تشكيلَ وعي أمة أو بناء ذاكرتها ليس أمرًا سهلًا ولا يسيرًا ، ولا يتم بين لحظة وأخرى ، أو بين عشية وضحاها ؛ إنما هو عملية شاقة مركبة ، وأصعب منه إعادة بناء هذه الذاكرة ، أو ردها إلى ما عسى أن تكون قد فقدته من مرتكزاتها ، فما بالكم لو كانت هذه الذاكرة قد تعرضت للتشويه ، أو محاولات الطمس ، أو المحو ، أو الاختطاف ، ولا سيما لو كان ذلك قد استمر لعقود أو لقرون ؟!
ومن على منبر مسجد ” الفتح ” بمدينة الضبعة أكد فضيلة الشيخ / صلاح عطية عضو الإدارة العامة للمراكز الثقافية أن بناء وعي بَني وطننا يتطلب الإلمام بحجم التحديات التي تواجهنا ؛ لأننا دون إدراك هذه التحديات ، ودون الوعي بها ، لن نستطيع أن نضع حلولًا ناجحة تسهم في خلق حالة من الوعي الحقيقي ، ولعل من أخطر التحديات التي تواجهنا تلك التحديات التي تهدد أمننا واستقرارنا في أوطاننا ، فالأمن نعمة من أجلّ نعم الله (عز وجل) على الإنسان ، حيث يقول سبحانه : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، فبدونها لا يهدأ للإنسان بال ، ولا تطمئن له نفسٌ ، ولا يهنأ بالحياة حتى لو أوتي الدنيا بحذافيرها ، فسعادة الدنيا ونعيمها في تحقيق الأمن والاستقرار ، يقول نبينا (صَلى الله عَلَيه وَسَلم) : (مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) ، فبدون الأمن لن تقوم دولة ، ولن يطمئن أحدٌ على نفسه ، أو أهله ، أو جيرانه .
من أجل ذلك يجبُ علينا أن نكون جميعًا في يقظة ووعي وحيطة وحذر ، وأن نتعظ بغيرنا ، وأن نستفيد من تجارب الحياة وخبراتها ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}، ويقول نبينا (صَلى الله عَلَيه وَسَلم) : (لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) ، فلنعلم أن حفظ ودوام أمن وطننا أمانة في أعناقنا جميعًا ، كل في مجاله وميدانه ، كيف لا ؟ والحفاظ على الوطن من أهم الضروريات لحفظ الدين وبقاء الدنيا، فبدون الوطن لن نتمكن من عبادة الله (عز وجل) ، وبدون الوطن لن نستطيع إعمار الأرض التي أمرنا الله (عز وجل) بإعمارها ، وإن أي وطني شريف لا يتردد لحظة في أن يفتدي وطنه بنفسه وماله ، فكيف يكون المُفتدى به أهم وأغلى من المفتدَى ، ومن ثم يجب الأخذ على أيدي المفسدين العابثين بأمن الوطن واستقراره ، وتحذير الناس منهم، حتى لا يوردونا موارد الهلاك .
ومن على منبر مسجد جامعة الدول العربية بمدينة الحمام أكد فضيلة الشيخ / محمد عبد الرحمن مفتش عام الدعوة أن الوعي الحقيقيّ هو البناء لا الهدم ، والإعمار لا التخريب ، وعليهم أن يقتحموا الصعاب ، وأن يواجهوا التحديات بعزيمة قوية ، وروح وثابة نحو البناء والتعمير ، وعمارة الكون ، وحب الخير للناس جميعًا ، مؤمنين بحق الجميع في الحياة الكريمة ، بغض النظر عن الدين ، أو اللون ، أو الجنس ، أو العرق .
إضافة إلى ضرورة التكافل الاجتماعي الذي حث عليه ديننا الحنيف من خلال الترغيب في العمل التطوعي ، والدعوة إلى المسابقة في الخيرات ، والمنافسة فيها ، والمسارعة إليها حتى لا تسيطر علينا الفردية ، أو الأنانية ، أو السلبية ، فقال تعالى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال سبحانه : {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}.
كما أشار فضيلته إلى أن للإرهاب مخاطرَ كثيرة ، والوعي الحقيقيّ هو سلاحنا لمواجهة هذه المخاطر ؛ فالإرهابُ يحارب مقاصد الشريعة التي من أهمها : حفظ الدين، والوطن ، والنفس ، فالإرهاب لا يقر حرية الاعتقاد التي كفلها القرآن الكريم للناس جميعا في قوله تعالى : {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، والإرهاب لا يعرف حرمة دور العبادة التي حفظها الإسلام كلها ، دون أدنى تفرقة ، وحرم الاعتداء عليها قولًا أو فعلًا ، حيث يقول سبحانه : {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}، والإرهاب لا يعرف حرمة النفس التي حرم الله (تعالى) التعدي عليها ، سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة ، حيث قال سبحانه : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}، والإرهاب لا يعرف قيمة الأوطان ، وإنما يعيث فسادًا في الأرض التي أمرنا الله (عز وجل) بإعمارها ، ونهانا عن الإفساد فيها ، حيث يقول سبحانه : {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}، ويقول سبحانه : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
فما أحوجنا إلى الوعي الحقيقي بالتحديات التي تواجهنا ، وضرورة التصدي لها ، والعمل – بكل إخلاص – للحفاظ على الوطن ، والدفاع عنه ، وأن يقوم كل منا بمسئوليته ، ويؤدى واجبه تجاهه ، فللوطنِ فِي الإسلامِ شأن عَظِيمٌ ، والتَّفرِيطُ فِي حَقِّهِ خَطَرٌ جَسِيمٌ ؛ لذلك أعلى النبي (صَلى الله عَلَيه وَسَلم) من قيمة الشرفاء والنبلاء الذين يدافعون عن وطنهم ، ويضحون من أجله بكل غال ونفيس .