خلال ندوة للرأي بكلية الدعوة الإسلامية
وزيـر الأوقـاف يـؤكــد :
الندوات التثقيفية تسهم في بناء الشخصية الوطنية
حفظ الأوطان من صميم مقاصد الأديان
والحفاظ على الأوطان أحد الكليات الست
وتهنئة أشقاء الوطن بأعيادهم بر وقسط ووطنية
أ.د/ محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر الشريف :
المواطنة دعوة إلى التعايش الإيجابي ووثيقة المدينة رسخت هذا المفهوم
أ.د/ محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف الأسبق :
مصر وطن يعيش فينا ونحاول جاهدين أن نحقق لمصر مستقبل المستقبل
أ.د / جمال فاروق جبريل عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة :
الموسم الثقافي يهدف إلى الاستنارة الفكرية والثقافية
المواطنة هي احترام لإنسانية الإنسان
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، وخاصة طلاب جامعة الأزهر والاهتمام بالقضايا التي تمس الواقع المعاصر ، وطرح جديد لرؤى قضية الخطاب الديني، عقدت اليوم الأحد 23 / 12 / 2018م وزارة الأوقاف بالتعاون مع كلية الدعوة الإسلامية والمنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف ، والهيئة الوطنية للإعلام ، ندوة للرأي تحت عنوان : ” فقه المواطنة في ظل التحديات المعاصرة ” ، حاضر فيها : معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، و أ.د/ محمد عبد الفضيل القوصي عضو هيئة كبار العلماء وزير الأوقاف الأسبق، و أ.د/ محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر الشريف ، و أ.د/ جمال فاروق جبريل عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة ، وذلك بحضور لفيف من أعضاء هيئة التدريس، ومعاونيهم بالجامعة ، وعدد من قيادات وأئمة وزارة الأوقاف ، وجمع كبير من طلاب جامعة الأزهر .
وأدار الندوة الإعلامي / تامر عقل الذي ثمن جهود معالي وزير الأوقاف في نشر روح الحوار , والفكر المتحضر بين الشباب في معالجة القضايا المتعلقة بالمجتمع وبالشباب .
وفي بداية كلمته أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أن المحاضرات العامة والتثقيفية , والأنشطة العلمية من أهم العمليات التعليمية ، لأنها تبني الشخصية لدى المتلقي وتنمي روح الوطنية بداخله ، ونحن في أمس الحاجة إلى بناء الإنسان حتى يسهم بحق في بناء الأوطان .
كما وضح معاليه أنه في السياق والمناخ الفكري الصحي لا يحتاج الثابت الراسخ إلى دليل , لكن اختطاف الجماعات المتطرفة للخطاب الديني واحتكارها له ولتفسيراته جعل ما هو في حكم المسلمات محتاجًا إلى التدليل والتأصيل , وكأنه لم يكن أصلا ثابتًا , فمشروعية الدولة الوطنية أمر غير قابل للجدل أو التشكيك , بل هو أصل راسخ لا غنى عنه في واقعنا المعاصر .
وقد قرر الفقهاء أن العدو إذا دخل بلدًا من بلاد المسلمين صار الجهاد ودفع العدو فرض عين على أهل هذا البلد رجالهم ونسائهم , كبيرهم وصغيرهم , قويهم وضعيفهم , مسلحهم وأعزلهم , كل وفق استطاعته ومكنته , حتى لو فنوا جميعا , ولو لم يكن الدفاع عن الديار مقصدًا من أهم مقاصد الشرع لكان لهم أن يتركوا الأوطان وأن ينجوا بأنفسهم وبدينهم .
وتعني الدولة الوطنية احترام عقد المواطنة بين الشخص والدولة , وتعني الالتزام الكامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعا دون أي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة , غير أن تلك الجماعات الضالة المارقة المتطرفة المتاجرة بالدين لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية , فأكثر تلك الجماعات إما أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية أصلا من الأساس , أو أن ولاءها التنظيمي الأيديولوجي فوق كل الولاءات الأخرى وطنية وغير وطنية , فالفضاء التنظيمي لدى هذه الجماعات أرحب وأوسع بكثير من الدولة الوطنية والفضاء الوطني.
كما أشار معاليه أن العلاقة بين الدين والدولة الوطنية ليست علاقة تقابلية كما تحاول أن تسوق الجماعات الإرهابية والمتطرفة , كما أنها ليست علاقة عداء ولن تكون , فالدولة الرشيدة هي صمام أمان للتدين الرشيد , وإن تدينا رشيدًا صحيحًا واعيًّا وسطيًّا يسهم وبقوة في بناء واستقرار دولة عصرية ديمقراطية حديثة تقوم على أسس وطنية راسخة وكاملة , وإن دولة رشيدة لا يمكن أن تصطدم بالفطرة الإنسانية التي تبحث عن الإيمان الرشيد الصحيح , على أننا ينبغي أن نفرّق وبوضوح شديد بين التدين والتطرف , فالتدين الرشيد يدفع صاحبه إلى التسامح , إلى الرحمة , إلى الصدق , إلى مكارم الأخلاق, إلى التعايش السلمي مع الذات والآخر , وهو ما ندعمه جميعًا , أما التطرف والإرهاب الذي يدعو إلى الفساد والإفساد , والتخريب والدمار , والهدم واستباحة الدماء والأموال , فهو الداء العضال الذي يجب أن نقاومه جميعًا وأن نقف له بالمرصاد, وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة للقضاء عليه حتى نجتثه من جذوره.
وفي هذه المعادلة غير الصعبة يجب أن نفرق بين الدين الذي هو حق , والفكر الإرهابي المنحرف الذي هو باطل , موقنين أن الصراع بين الحق والباطل قائم ومستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, على أن النصر للحق طال الزمن أو قصر , حيث يقول الحق سبحانه : ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ” ، وأن مثل الحق والباطل كمثل الكلمة الطيبة التي هي حق , والكلمة الخبيثة التي هي باطل : ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ” .
على أن النصر لا محالة للحق ولأهله , حيث يقول الحق سبحانه : “وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ”, ويقول سبحانه : ” إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”, ويقول سبحانه : ” وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” .
كما أكد معاليه أننا أصحاب قضية عادلة , قضية دين , وقضية وطن , فكل ما يدعو للبناء والتعمير , والعمل والإنتاج , وسعادة الناس وتحقيق أمنهم واستقرارهم , لهو الدين الحق والإنسانية الحقيقية , وكل ما يدعو للفساد والإفساد , والتخريب والقتل , يدعو إلى ما يخالف الأديان وسائر القيم النبيلة والفطرة الإنسانية القويمة ، مشيرًا إلى أن الدين والدولة لا يتناقضان , الدين والدولة يرسخان معا أسس المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات , وأن نعمل معًا لخير بلدنا وخير الناس أجمعين , أن نحب الخير لغيرنا كما نحبه لأنفسنا , الأديان رحمة , الأديان سماحة , الأديان إنسانية , الأديان عطاء ، وكذلك فإن الدين والدولة يتطلبان منا جميعًا التكافل المجتمعي , وأن لا يكون بيننا جائع ولا محروم ولا عارٍ ولا مشرد ولا محتاج.
وأيضًا الدين والدولة يدفعان إلى العمل والإنتاج , والتميز والإتقان , ويطاردان البطالة والكسل, والإرهاب والإهمال , والفساد والإفساد , والتدمير والتخريب , وإثارة القلاقل والفتن , والعمالة والخيانة ، وأن من يتوهمون صراعًا لا يجب أن يكون بين الدين والدولة ويرونه صراعًا محتًما إما أنهم لا يفهمون الأديان فهما صحيحًا أو لا يعون مفهوم الدولة وعيًا تامًا , فالخلل لا علاقة له بالدين الصحيح ولا بالدولة الرشيدة , إنما ينشأ الخلل من سوء الفهم لطبيعة الدين أو لطبيعة الدولة أو لطبيعتهما معًا ، غير أننا نؤكد على ضرورة احترام دستور الدولة وقوانينها , وإعلاء دولة القانون , وألا تنشأ في الدول سلطات موازية لسلطة الدولة أيا كان مصدر هذه السلطات , فهو لواء واحد تنضوي تحته وفي ظله كل الألوية الأخرى , أما أن تحمل كل مؤسسة أو جماعة أو جهة لواء موازيًا للواء الدولة فهذا خطر داهم لا يستقيم معه لا أمر الدين ولا أمر الدولة.
وفي سياق متصل أوضح معالي وزير الأوقاف أن العلماء تحدثوا عن الكليات التي ينبغي الحفاظ عليها ، فجعلها بعضهم خمسًا هي: الدين، والنفس ، والعقل ، والمال والعرض، مع اختلافات يسيرة في تقديم بعضها على بعض أو تأخير بعضها عن بعض ، وقد جعلها بعضهم ستًّا ، فقال هي الدين ، فالنفس، فالعقل، فالنسب ، فالمال ، والعرض .
وعلى الرغم من أن معظم من تحدثوا في المقاصد بدأوا بالدين ، ومنهم الغزالي والآمدي وغيرهما ، فإن بعضهم قد بدأها بحفظ النفس كالشوكاني حيث قال : وهي خمس أحدها حفظ النفس ، ثانيها حفظ المال ، ثالثها حفظ النسل، رابعها حفظ الدين ، خامسها حفظ العقل، وقال القرافي : هي حفظ النفوس والأديان والأنساب والعقول والأموال ، قيل والأعراض ، وقال في موضع آخر : حفظ الدماء ، والأعراض ، والأنساب ، والعقول ، والأموال ، وفي موضع ثالث : ذكر حفظ النفوس والعقول والأعراض والأنساب والأموال .
بل إن الإمام الرازي ذكرها مرة فقال : النفس والمال والنسب والدين والعقل ، ومرة أخرى فقال : النفوس والعقول والأديان والأموال والأنساب ، بما يعني أنه لا يوجد إجماع على عددها ولا على ترتيبها ، ومن حكى الإجماع على ذلك لا يعتد بقوله ، لأن الواقع العلمي ينقضه.
على أننا نفهم أمر الكليات في إطار فهمنا شديد الوضوح للثابت والمتغير، فالنص المقدس قرآنًا كان أو سنة نص ثابت ، وما كتب حوله أو عنه من شروح أو رؤى أو استنباطات أو اجتهادات في ضوء فهم النص فهو من باب القابل للتغير ، فما وافق عصره وزمانه ومكانه وكان مناسبًا لعصرنا وزماننا ومكاننا عملنا به وشكرناهم عليه، وحمدنا لعلمائنا الأوائل سبقهم إليه وحسن اجتهادهم فيه.
أما ما كان من هذه الاستنباطات والرؤى والاجتهادات والشروح مناسبًا لعصره ومكانه وزمانه وأصبحت متغيرات عصرنا ومستجداته تتطلب إعادة النظر والاجتهاد والاستنباط فإن لأهل العلم والتخصص الذين يمتلكون أدوات الاجتهاد أن يعيدوا النظر فيه وفق مقتضيات ومستجدات وواقع عصرهم وبيئتهم وظروف حياتهم .
وبما أن عدد الكليات تحديدًا وترتيبًا ليس نصًّا قرآنيًّا ولا نبويًّا وإنما هي عملية اجتهادية في ضوء ظروف المجتهدين وعصرهم فإنني أرى أن الحفاظ على الأوطان وبناء الدول واستقرارها ينبغي أن يدرج في إطار هذه الكليات .
والذي دعاني إلى ذلك هو تلك المفاهيم الخاطئة لدى بعض المتشددين والمتطرفين والجماعات والعناصر الإرهابية التي تضع الوطن في مقابلة خاطئة مع الدين .
والذي ندين به هو أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان لا تنفك عنها، وأن كل ما يقوي دعائم بناء الدولة الوطنية واستقرارها ، ويؤدي إلى قوتها ورقيها ، هو من صميم مقاصد الأديان ، وكل ما ينال من بناء الدولة واستقرار الوطن ومصالح أهله بالتخريب أو التدمير ، أو الفساد أو الإفساد ماديًّا كان أو معنويًّا : ماديًّا كالاستهداف والتفجير والتخريب أو معنويًّا كبث الفتن وترويج الأكاذيب والشائعات والعمل على زرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، قصد هدم الدولة أو إسقاطها أو إضعافها أو تقويض بنيانها ، كل ذلك لا علاقة له بالأديان ولا علاقة للأديان به ، إنما هي من ذلك كله براء .
فالأديان رحمة ، الأديان سماحة ، الأديان حضارة ، الأديان تعمير ، الأديان بناء ، الأديان جاءت لسعادة البشرية لا لتعاستها ، وحيث تكون مصلحة البلاد والعباد فثمة شرع الله (عز وجل) .
كما أكد معالي الوزير أن تهنئة أشقاء الوطن بأعيادهم بر وقسط ووطنية .
وفي كلمته أكد أ.د/ جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية على أن هذه الندوة تأتي في ختام الموسم الثقافي للفصل الدراسي الأول، الذي نهدف من خلاله استنارة فكرية، وثقافية للطلاب ، مبينًا أن المواطنة تعني عدم التفرقة أو التمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين، ويحترم كل مواطن إخوانه من المواطنين، ليتحقق بينهم التعاون والتسامح ، رغم التنوع والاختلاف ، مشيرًا إلى أن الله (تعالى) في القرآن الكريم قد استخدم كلمة “مساكن” ليعبر بها عن الوطن الذي ينعم فيه بالخيرات ، وحب الأوطان في الإسلام ليس متعارضًا مع الدين.
وفي كلمته أعرب أ.د/ محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر عن سعادته البالغة بالحضور الكبير لطلاب كلية الدعوة الإسلامية ، الذى ينم عن عقول متعطشة لمعرفة صحيح الدين ، والفكر الوسطي المستنير ، مبينًا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أسس للمواطنة في وثيقة المدينة ، والتي أرست أسس العيش المشترك والمواطنة بين الجميع ، فكلنا مطالبون باحترام عقائد بعضنا البعض، فكثيرا ما خاطب الله تعالى بقوله :” يا أيها الناس“، فالكل في الوطن سواء ، والدين لله .
وفي كلمته أكد أ.د / محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف الأسبق أن مصر ليست وطنًا نعيش فيه ، بل وطن يعيش فينا ، معلنًا أننا نريد لوطننا أن يكون متقدمًا قائدًا لبقية دول العالم، إذ فقه المواطنة ليس فقهًا فرديا يقتصر على مجرد العبادات، بل فقه اجتماعي لا تتنازعه اتجاهات التشدد سواء يمينيا أو يساريا ، مشيدًا بجهود معالي وزير الأوقاف المضنية في تجديد الخطاب الديني ونشر الفكر الوسطي.
وعلى هامش الندوة قام معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف يرافقه أ.د/ محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء ، و أ.د/ محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر الشريف ، و أ.د/ جمال فاروق جبريل عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة ، وجمع غفير من الحضور لافتتاح معرض الكتاب الذي يقيمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر الشريف ، والذي يقدم تخفيضًا قدره 25% على جميع المطبوعات ، وعبر الطلاب عن سعادتهم الغامرة بهذه الندوة ، وموضوعها. ومطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .