وزير الأوقاف : الحفاظ على الأوطان من المقاصد الكلية للدين
أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح منتدى تعزيز السلم بدولة الإمارات العربية المتحدة أن الحفاظ على بناء الدولة الوطنية في عصرنا الحاضر جدير بأن يكون أحد المقاصد الكلية التي ينبغي الحفاظ عليها لتصبح (الكلياتِ الست) بدلا من (الكلياتِ الخمس)، فتكون: الدين، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض ، والدولة الوطنية ، وإن شئت قل : الدين ، والوطن ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض ؛ لأن ضياع الأوطان ضياع للكليات كلها ، وأرى أن ترسيخ أسس الدولة الوطنية دولة المواطنة المتكافئة ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حولها هو واجب الوقت للعلماء والمفكرين والمثقفين على حد سواء .
وإذا كنا جميعًا متفقين على قيم التسامح والأخوة والإنسانية ومؤمنين بها فإن علينا أن نجند أنفسنا لتحويل هذه المفاهيم إلى واقع ملموس في دنيا الناس ، وأن نبذل أقصى وُسعنا في سبيل هذه الغاية النبيلة .
وهذا نص كلمته :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) , وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
وبعــــد :
فيطيب لي بداية أن أشيد بفكرة وموضوع هذا الملتقى العلمي المتميز الذي يسلط الضوء قويا على أن ثقافة السلام راسخة في تراثنا العربي والإسلامي معا ، فقد قام حلف الفضول على فكرة أساسها وجوب نصرة المظلوم والوقوف إلى جانبه في وجه الظالم ، حيث تعاهدت القبائل العربية من بني هاشم وبني عبد مناف وبني زهرة وغيرها على أن يكونوا عونًا للمظلوم على الظالم بغض النظر عن دين أي منهما ، أو جنسه ، أو عرقه ، أو غناه ، أو فقره.
وفي شأن هذا الحلف يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت “.
ويصور أحمد شوقي المشهد قبل وبعد بعثة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيقول :
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضــى لا تَمُــرُّ بِهِـم |
إِلّا عَلـى صَنَـمٍ قَـد هــامَ فــي صَنَــمِ |
وَالخَلقُ يَفتِـكُ أَقـواهُــم بِأَضعَفِهِــم |
كَاللَيثِ بِالبَهمِ أَو كَالحــوتِ بِالبَلَــمِ |
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَـــوراً مُسَـخَّـــرَةٌ |
لِكُـــلِّ طاغِيَـةٍ فـي الخَلــقِ مُحتَكِـمِ |
قالـــوا غَزَوتَ وَرُســلُ اللَهِ مـا بُعِثـوا |
لِقَتــلِ نَفــسٍ وَلاجــاؤوا لِسَفــكِ دَمِ |
أَخوكَ عيسى دَعــــا مَيتـــاً فَقـــامَ لَهُ |
وَأَنتَ أَحيَيــتَ أَجيـالاً مِـنَ الزِمَـــمِ |
خَطَطتَ لِلديــنِ وَالدُنيــا عُلومَهُمـا |
يا قارِئَ اللَـوحِ بَـل يا لامِـسَ القَلَـمِ |
وتأتي الدعوة الآن إلى حلف فضول عالمي جديد لتؤكد أننا ما زلنا وسنظل نمد أيدينا بالسلام للسلام العادل الذي لا ظلم فيه ولا غمط لحقوق المستضعفين ، بل هو العيش الكريم للإنسانية جمعاء .
ويؤكد الحكماء أن الملك قد يدوم مع العدل والكفر ، ولا يدوم مع التدين الشكلي والظلم ، وأن الله (عز وجل) ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو ادعت أنها مؤمنة ، وقد قامت حضارتنا على التسامح ونصرة المظلوم والعدل ، وهذا حافظ إبراهيم يرسم لنا لوحة عظيمة من سيرة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فيقول :
كَم خِفتَ في اللَهِ مَضعوفًـــا دَعاكَ بِــهِ |
وَكَــــم أَخَفــــتَ قَوِيًّـــــا يَنثَنــي تيهــا |
فلا القَــــوِيُّ قَــوِيًّــا رَغـــــمَ عِزَّتِــــــــــهِ |
عِندَ الخُصومَـــةِ وَالفــــاروقُ قاضيهـــا |
وَلا الضَعيــفُ ضَعيفًــــــا بَعــــدَ حُجَّتِـــهِ |
وَإِن تَخــــاصَــــمَ واليهــــــا وَراعيهـــــا |
وَهَالَ صاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَرًا |
بَينَ الرَعِيَّــةِ عُطــــلاً وَهوَ راعيهــــــــــا |
وَقــالَ قَــولَـةَ حَـقٍّ أَصبَحَت مَثَــــلاً |
وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويهـــــــا |
أَمِنتَ لَمّـــــا أَقَمتَ العَـــــدلَ بَينَهُـــمُ |
فَنِمت نَــومَ قَــريـــرِ العَينِ هـــانيهـــــا |
فمن يبــاري أبــــا حفــــص وسيرتـــه |
أو مــــن يحـــاول للفــــاروق تشبيهـــا |
على أننا عندما نتحدث عن حلف فضول عالمي جديد نتطلع أن يكون ذلك على مستوى جميع المنظمات والمؤسسات الدولية ، ونأمل أن نراها تكيل بكيل واحد لا بمكيالين مختلفين أو مكاييل مختلفة تختلف في التعامل مع ما يطلق عليه العالم الثالث عنها مع ما يطلق عليه العالم الأول أو عالم النخبة أو عالم الصفوة ، وكأننا بين عالمين أحدهما للسادة والآخر للعبيد ، وإني لآمل أن تلتقط المنظمات والمؤسسات الدولية فكرة هذا الحلف لنبني عليها معًا عالم الحق والعدل والإنسانية .
الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو عدلنا مع أنفسنا ومع دولنا وحفاظنا على بناء دولنا الوطنية ، وأؤكد أنني أرى أن الحفاظ على بناء الدولة الوطنية في عصرنا الحاضر جدير بأن يكون أحد المقاصد الكلية التي ينبغي الحفاظ عليها لتصبح (الكلياتِ الست) بدلا من (الكلياتِ الخمس)، فتكون: الدين، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض ، والدولة الوطنية ، وإن شئت قل : الدين ، والوطن ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض ؛ لأن ضياع الأوطان ضياع للكليات كلها ، وأرى أن ترسيخ أسس الدولة الوطنية دولة المواطنة المتكافئة ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حولها هو واجب الوقت للعلماء والمفكرين والمثقفين على حد سواء .
وإذا كنا جميعًا متفقين على قيم التسامح والأخوة والإنسانية ومؤمنين بها فإن علينا أن نجند أنفسنا لتحويل هذه المفاهيم إلى واقع ملموس في دنيا الناس ، وأن نبذل أقصى وُسعنا في سبيل هذه الغاية النبيلة .