خلال ندوة للرأي بنادي مستشاري قضايا الدولة وزير الأوقاف يؤكد:
حملة رسول الإنسانية تهدف إلى تبليغ كل معاني الرحمة والإنسانية للعالم
وزيارة شمال سيناء هي رسالة سلام للعالم
نحتاج إلى قراءة جديدة للسنة النبوية تجمع بين حجية النص وفقهه
ويجب أن نفرق بوضوح بين فقه الجماعة وفقه الدولة
سيادة المستشار / سعيد عبد الوهاب الزهوي:
الرسول (صلى الله عليه وسلم) أحيا السلام الاجتماعي في كل مجالات الحياة
أ.د/ محمد سالم أبو عاصي :
رسالة رسول الإنسانية رسالة رحمة للعالمين
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتلفزيون المصري أقيم اليوم الاثنين 18 ربيع الأول 1440هـ الموافق 26 / 11 / 2018م بنادي مستشاري قضايا الدولة برنامج “ندوة للرأي ” تحت عنوان : ” التأسي بأخلاق النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) ” حاضر فيها كل من : معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وسيادة المستشار / سعيد عبد الوهاب الزهوي نائب رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق، وعضو لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، و أ.د/ محمد سالم أبو عاصي العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر ، بحضور سيادة المستشار / حسين عبده خليل رئيس هيئة قضايا الدولة ، وعدد من مستشاري هيئة قضايا الدولة ، ولفيف من قيادات الدعوة بالوزارة ، وعدد من الصحفيين والإعلاميين.
وقدم للندوة الإعلامي الكبير الأستاذ / تامر عقل الذي ثمن جهود معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة في تجديد الخطاب الديني ، ونشر الفكر الوسطي المستنير ، مشيدًا بدوره الكبير والقوي لإظهار عظمة الرسالة المحمدية من خلال حملة “رسول الإنسانية ” (صلى الله عليه وسلم).
وفي كلمته أعرب معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة عن سعادته البالغة بهذه المناسبة الشريفة ، مثمنًا مشاركة نادي مستشاري هيئة قضايا الدولة في حملة “رسول الإنسانية ” التي أطلقتها وزارة الأوقاف ، مؤكدًا إجماع علماء الأمة وفقهائها على حجية السنة المشرفة ، وأنها المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله (عز وجل) ، وأن طاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من طاعة الله ، وأن السنة النبوية المشرفة مكملة ومتممة وشارحة ومفسرة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم ، مبينًا أنه يجب أن نفهم السنة فهمًا صحيحا من خلال مقاصدها ومراميها ، وألا نجمد أو نتحجر عند ظواهر النصوص دون فهم أبعادها ومقاصدها.
كما أكد معاليه أن أعداء السنة وأكثر الناس صدًّا عنها صنفان : الأول المتاجرون بدين الله (عز وجل) والمحرفون لسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والذين يلوون أعناق النصوص لخدمة إرهابهم وتطرفهم ، فيقتلون ويحرقون ويسفكون الدماء ويخربون العمران باسم الدين ، والدين منهم برآء . وأما الصنف الثاني: فهم الجهلة الذين لم يأخذوا بنور العلم وأدواته ولَم يجهدوا أنفسهم في تحصيله ولَم يستجمعوا أدوات فهم السنة النبوية المشرفة ولَم يعملوا عقولهم في فهم مراميها ولَم يدركوا أو يتعلموا أن هناك ما يسمي بفقه المقاصد ، فدين الله يؤخذ من العلماء المتقنين وليس الجهلة ولا المتاجرين بالدِّين .
كما بين معاليه أنه لا خلاف حول ثبوت النصوص الصحيحة ، وإنما الخلاف كل الخلاف مع أصحاب الأفهام السقيمة الذين لا يفرقون بين النص الثابت والفكر البشري المتغير الناتج عن فهم النص ، إذ نجزم أن هذا الفهم وذاك التطبيق فيما يتصل بالمتغيرات والمستجدات ليس قرآنا ولا نصًّا مقدسًا ، إنما هو فهم أو تطبيق ناسب عصره وزمانه ، مقدمًا أنموذجًا بسهم المؤلفة قلوبهم ، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) أعطى المؤلفة قلوبهم حين كانت المصلحة في إعطائهم وتآلفهم ، وحين انتفت العلة في إعطائهم فهم الصحابة الكرام النص ومقاصده ومراميه فلم يعطوا هؤلاء الذين كانوا مؤلفة قلوبهم لزوال علة إعطائهم .
كما وضح معاليه أن بعثة رسول الإنسانية (صلى الله عليه وسلم) كامنة في إتمام مكارم الأخلاق، فلابد من تصحيح الصورة الذهنية للمسلم بأن يكون مثالاً للأخلاق والسلوكيات، بتقديم صورة إنسانية راقية عن الإسلام ، بالتطبيق العملي للأخلاق والسلوك وتحويلها من قضايا محفوظة إلى واقع ملموس ، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) جاء ليخرج الإنسانية من الظلمات إلى النور ويخلصها من دركات الظلم إلى درجات العدل والرحمة ، وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) جاء بكل معاني الرحمة والإنسانية حتى مع مَن جانب الصواب في فعله أو قوله , ففي الحديث عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: (بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): دعوه، وأريقوا على بوله سَجْلاً من ماء، أو ذَنوبا من ماءِ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).
وفي ذات السياق بين معاليه أن النص المقدس قرآنا كان أوسنة صحيحة ثابتة لا طاقة لأحد بتعطيله أو حتى مجرد القول بذلك ، ولا يوجد مسلم عاقل على ظهر البسيطة يقول به ، إنما الأمر يتعلق بفهم النص ومناط تطبيقه ، فيطلق فيما ينطبق عليه ، مؤكدًا على ثبات الحكم وتغير الفتوى ، فحين تكون الحاجة ماسة لتآلف قلوب البعض لصالح الدين والدولة تكون الفتوى بإعطائهم ، وحين تزول العلة تكون الفتوى بعدم إعطائهم ، وهو أمر مرده إلى أولى الأمر ، وليس إلى آحاد الناس أو عامتهم ، فهو من شئون الدول لا الأفراد ، وذلك في ضوء ما قرره أهل العلم من أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأعراف والعادات والأحوال ، مع الإيمان الكامل بالنص والتسليم بقدسيته وثباته ، مبينًا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن نبينًا فحسب ، وإنما كان نبيًّا ورسولًا وحاكمًا ، وقائدًا عسكريًّا ، فما تصرف فيه باعتباره نبيًّا ورسولًا فيما يتصل بشئون العقائد والعبادات والقيم ، والأخلاق ، وصح نسبته إليه (صلى الله عليه وسلم) أُخذ على النحو الذي بينه (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه ، ولا يختلف أمر البيان فيه باختلاف الزمان أو المكان ، كونه من الأمور الثابتة ، سواء اتصل بأمر الفرائض أم اتصل بأمر السنن الثابتة عنه (صلى الله عليه وسلم) .
كما فرق العلماء بين فقه الجماعة وفقه الدولة , وأفردوا لذلك مباحث وأبوابا , ثم ضرب مثلا بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” من أحيا أرضا مواتا فهي له ” حيث تصرف في ذلك بصفته رئيس دولة وفق مقتضيات عصره , فلا يأتي الآن من يضع يده على مئات أو آلاف الأفدنة , ويقول : أحييتها فهي لي وبيني وبينكم حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، نقول له : إن النبي (صلى الله عليه وسلم) تصرف في ذلك بصفته رئيس دولة , فهو من الشأن العام الذي لا يترك أمر التصرف فيه إلى الأفراد بعيدًا عن سلطة الدولة.
وعليه فإن الخلط بين ما كان من شئون العقائد أو العبادات وما هو من شئون نظام الدولة وإنزال هذا منزلة ذلك خلل في الفهم وضرب من الجهل.
وفي بداية كلمته بين سيادة المستشار / سعيد عبد الوهاب الزهوي أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) جاء لبيني السلام الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ليعيش الجميع في سلام وأمان، حيث قال رسول الإنسانية:” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”، إنها عبقرية النص وبراعة الأسلوب، فكلمة الأخ المراد بها الأخوة الجامعة إخوة الإنسانية.
كما بين سيادته أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد عالج السلام الاجتماعي في جميع مراحله ، حتى في البيع والشراء، حيث مر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ( ما هذا يا صاحب الطعام؟ )، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني).
وفي كلمته ثمن أ.د/ سالم أبو عاصي الدور الكبير الذي يقوم به معالي وزير الأوقاف في تجديد الخطاب الديني ، وأن كل منصف لابد أن يعترف بأنه صنع صنيعًا غير مسبوق في تجديد الخطاب الديني، مؤكدًا أن رسالة رسول الإنسانية قد جعلها ربنا جل وعلا رحمة للعالمين ،” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”، مستدًلا بما أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي مسعود البدري – رضِي الله عنه – قال: “كنتُ أضرِب غلامًا لي بالسَّوط، فسمعتُ صوتًا من خلفي: (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلمَّا دنا مِنِّي إذا هو رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: ( اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود ) ، فسقط السَّوْطُ من يدي من هَيْبَتِه، فقال: (اعلم أبا مسعود أنَّ اللهَ أقدَرُ عليك منك على هذا الغلام )، فقلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ( أمَا لو لم تفعل للفحتْك النارُ، أو لمسَّتْك النار)، فقلت: والذي بعثك بالحقِّ، لا أضرب عبدًا بعده أبدًا، فما ضربت مملوكًا لي بعد ذلك اليوم “، مبينًا أن رسول الله بعث رفيقًا بالناس لذا نهى رسول الله عن التشدد في الدين، لأن التشدد فتنة ، حيث قال:” أفتان أنت يا معاذ !” حينما أطال الصلاة على المأمومين، بل بلغ رفقه بالناس أنه كره كثرة السؤال حتى لا يفرض أمر ، أو يحرم شيء على الأمة.
وفى ختام الندوة أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على ضرورة فهم المعنى الأعمق للنصوص حتى نفهم أن رسالة الإسلام العالمية جاءت بكل الخير للإنسانية التي هي رحم بين الناس جميعًا ، إذ المقاصد العليا للأديان هي سعادة الإنسان وإقامة مصالحه، من البناء والتعمير والتشييد، وكذا دفع الأذى عن الناس بكل أشكاله، قال تعالى: ” طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى” ، فحيثما وجدت المصلحة فثمَ شرع الله تعالى.