توضيح واجب
ما من قضية تجديدية إلا يحاول البعض أن يثير لغطا أو جدلا حولها ، وهذا أمر طبعي في كل قضايا التجديد ، وقد قالوا: من جدد فقد استهدف .
وقد أكدنا وسنظل نؤكد أن النص القرآني نص مقدس ، وكذلك ما صح من سنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وهذه أمور أشبه بالمسلمات والبديهيات كالقول بأن السماء فوقنا والأرض تحتنا ، وليس لأحد كائنا ما كان أن يعطل لا نصا قرآنيا ولا نصا نبويا صحيحا ثابتا ، إنما الأمر يتعلق بفهم النص ومناط تطبيقه وفهم مقصده .
وعليه فإن ما ذكرناه وأكدنا عليه في خطبة الجمعة بمسجد الروضة بمدينة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء بشأن سهم المؤلفة قلوبهم ، هو أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أعطى المؤلفة قلوبهم حين كانت المصلحة في إعطائهم وتألفهم ، وحين انتفت العلة في إعطائهم فهم الصحابة الكرام النص ومقاصده ومراميه فلم يعطوا هؤلاء الذين كانوا مؤلفة قلوبهم لزوال علة إعطائهم .
فالنص المقدس قرآنا كان أوسنة صحيحة ثابتة لا طاقة لأحد بتعطيله أو حتى مجرد القول بذلك ، ولا يوجد مسلم عاقل على ظهر البسيطة يقول به ، إنما الأمر يتعلق بفهم النص مقصدا ومناط تطبيقه ، فيطلق فيما ينطبق عليه ، ولا يحمل قسرا على غير مناط تطبيقه .
وفيما ذكرناه تأكيد على ثبات الحكم وتغير الفتوى ، فحين تكون الحاجة ماسة لتآلف قلوب البعض لصالح الدين والدولة تكون الفتوى بإعطائهم ، وحين تزول العلة تكون الفتوى بعدم إعطائهم ، وهو أمر مرده إلى أولى الأمر ، وليس إلى آحاد الناس أو عامتهم ، فهو من شئون الدول لا الأفراد ، وذلك في ضوء ما قرره أهل العلم من أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأعراف والعادات والأحوال ، مع الإيمان الكامل بالنص والتسليم بقدسيته وثباته ، مع يقيننا أن الناس فريقان : فريق يريد أن يستوضح فواجبنا أن نوضح لهم ونبين ، والفريق الثاني من المتربصين والهدامين والمتحجرين ومن لا قدرة لهم على استيعاب قضايا التجديد ، وهؤلاء ندعو الله ( عز وجل) أن يهديهم ، أما المتطرفون وأعداء الدين والوطن فنقول لهم : لن تنالوا من عزيمتنا في مواصلة مسيرة التجديد ولو حاولتم واستنفرتم كتائبكم المشبوهة ، لأن قضية الاجتهاد والتجديد صارت لدينا قضية عقيدة ودين ، نعمل بكل طاقتنا على أن ننفي عنهما تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويلات الجاهلين ، ونبذل وسعنا في تحقيق قراءة عصرية مستنيرة في ضوء القواعد والأصول الشرعية التي تحافظ على الثابت وتنزله منزلته ، وتتعامل مع المتغير في ضوء ظروف العصر ومستجداته وما تقتضيه طبيعته في إطار ما يحقق المصلحة المعتبرة شرعا ، وعلى الله قصد السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.