الرحمة المهداة
لا شك أن حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي الرحمة ، فهو الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، وهو السراج المنير ليس للمسلمين وحدهم ، وإنما للناس كافة .
فحياته (صلى الله عليه وسلم) رحمة ، يقول تعالى } وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } ، ورسالته رحمة ، وسنته رحمة ، حيث يقول الله تعالى } وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين{ ويقول (صلى الله عليه وسلم) : } مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ} ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : }إني لأَدْخُلُ الصَّلاَةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ} ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، قَالَ : }إني لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً } ، وعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) أَنَّ غُلاَمًا مِنَ الْيَهُودِ مَرِضَ فَأَتَاهُ النبي (صلى الله عليه وسلم) يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ فَقَامَ النبي (صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ} ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما) أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِى إِبْرَاهِيمَ: } رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تبعني فَإِنَّهُ مِنِّى وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، وَقول عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : }إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فَرَفَعَ(صلى الله عليه وسلم) يَدَيْهِ وَقَالَ: }اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِى}، وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ – وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَسَأَلَهُ ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ} .
وعندما اشتكى له بعض الناس أن سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه)يطيل بهم الصلاة بما يشق عليهم ، فقال له الحبيب (صلى الله عليه وسلم) :} أفتان أنت يا معاذ ؟! } إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِي النَّاسِ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ} .
وعندما سلط عليه أهل الطائف عبيدهم و صبيانهم يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين ورفع (صلى الله عليه وسلم) أكف الضراعة إلى الله عز وجل داعيًا بدعائه المشهور : ((اللهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رب المستضعفين، وأنت ربي ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟، إِلَى بعيد يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي ، إِنْ لَمْ يكُنْ بك غَضبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، ولكنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي ، أرسل الله (عز وجل) إليه ملك الجبال يناديه : يا محمد لو شئت لأُطْبقَنَّ عليهم الأخشبين ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : } لا ، ولكني أقول : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يقول: “لا اله إلا الله “، وهنا قال له جبريل (عليه السلام) : صدق من سماك الرءوف الرحيم ، وذلك حيث يقول الحق سبحانه : } لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {.
ولما منَّ الله (عز وجل) عليه بفتح مكة ، دخل (صلى الله عليه وسلم) فاتحًا منتصرًا ، وتوجه إلى أهل مكة قائلا : (( مَا تظنون أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ)) قَالُوا: خَيْرًا , أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : ((اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ)) ، وصدق الحق (سبحانه وتعالى) إذ يقول : } فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {.
ولم تقف حدود رحمته (صلى الله عليه وسلم) عند حدود البشر ، بل شملت الحيوان والحجر والشجر ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ))دخل رجل الجنة في أنه وجد كلبا يلهث ، فقال : لقد بلغ بهذا الكلب ما بلغ بي ، فخلع خفه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له فدخل الجنة } ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : }فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ} ، وعندما رأى جملا تدمع عيناه إذ كان صاحبه يشق عليه ، قال (صلى الله عليه وسلم) : }يا صاحب الجمل اتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ، فإن جملك هذا قد اشتكى إلي أنك تُجيعه وتُدْئبهُ } ، أي تجهده وتشق عليه ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول: }أُحُد جبل يحبنا ونحبه } ، ولما ارتجف أُحُد يوما وكان عليه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وأبو بكر وعمر وعثمان قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : }اثبت أُحُد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان {، ولما بنى له المنبر بمسجده (صلى الله عليه وسلم) كان (صلى الله عليه وسلم) يقول :} إني لأسمع حنين هذا الجذع } ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : } إنِّي لأَعرفُ حَجراً بمكةَ كانَ يُسلِّمُ عليَّ قبلَ أَن أُبعثَ، وإنِّي لأَعرفُهُ الآنَ} ، ولما رأى قُمَّرَةً نزع عنها فراخها قال (صلى الله عليه وسلم) : }من فجع هذه في فراخها ردوا عليها فراخها} .
وكان (صلى الله عليه وسلم) شديد الحنو على الضعفاء ، وصى بهم كثيرًا ، فكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو كالذي يقوم الليل ويصوم النهار))، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول :(( أنَا وَكَافِلُ اليَتيم فِي الْجَنَّةِ هكذا وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى} ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول: { إخوانَكُم خَوَلُكُم جَعلَهم اللَّهُ تَحْتَ أيدِيكُم ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وليُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَس ، وَلَا تُكلِّفوهُم من العمل مايغلِبُهُم ، فإن كلفتموهم ما يُغْلِبُهم فأعِينُوهُم عليه} ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة : } أرضوني في الضعيفين : المرأة واليتيم } ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : ))وهل تنصرون ، وترزقون إلا بضعفائكم ؟ )).