نبي الرحمة ” في ذكرى مولده “
في ذكرى مولد الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) رأيت أن أفضل ما أقدمه للقارئ الكريم هو حديث القرآن عن رسولنا (صلى الله عليه وسلم) لنلقي بذلك الضوء على جانب من مكانة الحبيب (صلى الله عليه وسلم) عند ربه (عز وجل) .
لقد تحدث القرآن الكريم عن النبي (صلى الله عليه وسلم) حديثًا كاشفًا عن مكانته وأخلاقه وكثير من جوانب حياته , فهو نبي الرحمة , حيث يقول الحق سبحانه : } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} , ويقول سبحانه : }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} , ويقول (عز وجل):} لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
لقد زكى ربه لسانه , فقال سبحانه : } وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} , وزكى فؤاده , فقال: } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } , وزكى معلمه , فقال :} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } , وزكى خلقه , فقال : } وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } , وشرح صدره , فقال : }أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} , ورفع ذكره , فقال : }وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } , وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , فقال سبحانه : } إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ {.
وإذا كان موسى (عليه السلام) قد طلب من ربه أن يشرح له صدره , حيث قَال داعيًا ربه (عز وجل) : } رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } , فإن الله (عز وجل) قد منّ على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) فشرح له صدره منّة منه وفضلاً , فقال سبحانه : } أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ، وإذا كان موسى (عليه السلام) قد توجه إلى رب العزة (عز وجل) بقوله: “وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}, فإن الله (عز وجل) قد أكــرم نبينا (صلى الله عليه وسلم) بقوله تعالى : }وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} .
فنبينا (صلى الله عليه وسلم) دعوة أبينا إبراهيم (عليه السلام) , حيث دعا ربه بقوله : } رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } , وهو بشرى عيسى (عليه السلام) , حيث يقول الحق سبحانه :} وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } .
قرن الحق سبحانه وتعالى طاعته (صلى الله عليه وسلم) بطاعته (عز وجل) , فقال سبحانه : }مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} , وجعل اتباعه (صلى الله عليه وسلم) وسيلة لحب الله (عز وجل), فقال سبحانه على لسانه (صلى الله عليه وسلم) : } قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} , وجعل مبايعته (صلى الله عليه وسلم) مبايعة لله (عز وجل) ، فقال سبحانه : } إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } ، وحذر سبحانه وتعالى من مخالفة أمره (صلى الله عليه وسلم) فقال (عز وجل) : } فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } , مؤكدًا أن الإيمان به (صلى الله عليه وسلم) لا يكتمل إلا بالنزول على حكمه عن رضى وطيب نفس , فقال سبحانه :} فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
وقد أكرمه ربه حتى في مخاطبته وندائه , فحيث نادى رب العزة (عز وجل) سائر الأنبياء بأسمائهم فقال : }يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } , }يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ} , }يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} , } يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى}, }يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } , خاطب نبينا (صلى الله عليه وسلم) خطابًا مقرونًا بشرف الرسالة أو النبوة , أو صفة إكرام وتفضل وملاطفة , فقال تعالى: } يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ } , } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } , }يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}, }يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } .
وعندما شرَّفَهُ الحق (سبحانه وتعالى) بذكر اسمه في القرآن الكريم ذكره مقرونًا بعز الرسالة , فقال سبحانه وتعالى: } مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } , وقال سبحانه وتعالى : }وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } , وأخذ العهد على الأنبياء والرسل ليؤمنن به ولينصرنه , فقال سبحانه : }وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } .
ومن إكرام الله (عز وجل) له (صلى الله عليه وسلم) أن جعل رسالته للناس عامة , حيث كان كل رسول يرسل إلى قومه خاصة , أما حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد أرسله ربه (عز وجل) إلى الناس عامة , فقال سبحانه : } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا “, وختم برسالته الرسالات , وختم به (صلى الله عليه وسلم) الأنبياء والرسل , فقال سبحانه وتعالى : } مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّنْ رِّجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {.
لقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين أجمعين , فقال سبحانه: } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ “, وعرف نبينا (صلى الله عليه وسلم) نفسه , فقال:} يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ {, وأكد القرآن الكريم ذلك , فقال : } لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
وكتابه (صلى الله عليه وسلم) كتاب رحمة , حيث يقول الحق سبحانه : }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} , ودينه دين الرحمة والأمن والأمان والسلام للبشرية جمعاء , دين يرسخُ أسس التعايش السلمي بين البشر جميعًا , يحقنُ الدماءَ كل الدماء , ويحفظُ الأموال كل الأموال , على أسس إنسانيةٍ خالصةٍ دون تفرقة بين الناس على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق , فكل الأنفس حرام , وكل الأعراض مصانة , وكل الأموال محفوظة , وكل الأمانات مؤداةٌ لأهلها ، وبلا أي استثناءات , وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) عند هجرته إلى المدينة يترك عليَّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه) بمكة ليردَّ الأماناتِ إلى من آذوه وأخرجوه وجردوا كثيرًا من أصحابه من أموالهم وممتلكاتهم.
ويوم الطائفِ عندما سلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين , وجاءه مَلَكُ الجبال يقول : } يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلْكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي اللهُ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فإِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ} (وهما جبلان بمكة) فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): } بَلْ أقول : ((اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون , إني لأَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يقول لا إله إلا الله )), ولمّا قِيلَ له : ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ , قَالَ: ))إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )).
صلى رب العالمين (عز وجل) بنفسه عليه , وأمر ملائكته والمؤمنين بالصلاة عليه , فقال سبحانه : }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } , وجعل صلاتـه علـى المؤمنين رحمـة وسكينة لهم , فقـال سبحانـه :}وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {.
فأكثروا من الصلاة والسلام على الحبيب (صلى الله عليه وسلم) , لأن من صلى على النبي (صلى الله عليه وسلم) صلاة صلى الله بها عليه عشرًا , كما أن صلاتنا معروضة عليه (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول )) إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ(( ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ فَقَالَ: } إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ} , وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : } إِذا سمِعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا علَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى علَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ بِهَا عشْرًا ، ثُمَّ سلُوا اللَّه لي الْوسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنزِلَةٌ في الجنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلاَّ لعَبْدٍ منْ عِباد اللَّه وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُو ، فَمنْ سَأَل ليَ الْوسِيلَة حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ{.