بين الإرهاب والإدمان
تجرعت المجتمعات من مشكلة التطرف مرارة الجنوح عن الصواب ، ومشادة الغير في الرأي عن هوى نفس ومغالطة فكر ، وهذه طبيعة متجذرة في حياة المتطرفين ، ريثما جنت المجتمعات من هوس التطرف موبقة تكفير الآخر ، والإرهاب والإفساد.
والحركات المتطرفة الإرهابية تعمل على إحداث شقة بين الناس والدين ، ومهما واصلت مسيرة التطرف ، فلا يقبلها عقل ، ولا تتسق مع دين أو عرف ، ومصيرها إلى انحسار.
ولا يخفى أن صاحب الفكر المتطرف لديه نقطة تلاقى بينه وبين من يأخذ عنه ، فهو يتمحور حول شخصيات معينة ، أو فكر معين ، ويظل مواليًا له ، ورافضًا أي مظهر من مظاهر التصحيح أو التقويم أو التنمية الفكرية ؛ فنجد كثيرًا من هؤلاء لا يقبلون النقد ، ولو كان علمًا نزيهًا ، ويحملون حملات عنيفة على مخالفيهم ، ويسلكون كل السبل من أجل الشخصية التي تمحوروا حولها وفتنوا بها ، ولذا يجتمعون على أساس مداراة عيوب كل منهم والوقيعة في الآخرين ، وهذا يغذيه الطموح المذموم ، والرغبة المشئومة في الثراء والأثرة وتحقيق الذات ، وما تنهمر عليهم من أموال وسيلة لتكون مدعاة لاستقطاب ضعاف العقول ومحدودي الفكر ، وهنا تظهر العلاقة بين الإرهاب والإدمان ؛ حيث إن شريحة كبيرة من مدخرات المخدرات تستغل لصالح الإرهاب ، والإحصائيات الواقعية خير دليل على أن الإرهاب يستخدم المخدرات وأموالها طريقًا لتقوية شوكتهم التي هي كبيت العنكبوت.
فالإرهاب والإدمان وجهان لعملة واحدة ، كلاهما قتْل للقوى ، وإفساد في الأرض ، ومن ثم ينبغي مواجهة شاملة للإرهاب ، وكذا من يروج للإدمان ويتاجر في المخدرات ، مع ضرورة وضْع قوانين رادعة لتجارة الختل ، ولما يجنوه من أموال طائلة ، والتي هي في حصيلة الثروة الحرام ، التي يدق هؤلاء بابها حين يضعف الإيمان ، وذلك في سبيل تحقيق ثراء عريض ، فيظل شعارهم للثروة حسابات أخرى.
بيد أن من وقع في خطر الإدمان ينبغي أن نأخذ بيده ونقيل عثرته ، ومن ثم تجب معاملته بقول هين وكلام لين ، وأسلوب يقرب ولا يباعد ، ويحبب ولا يبغض ، وهذه رسالة الأنبياء والمرسلين ـ حتى مع المخالفين في المعتقد ـ قال الله تعالى : “اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى” سورة طه (43، 44) ، إضافة إلى أن أصحاب المعاصي لابد أن نلتمس لهم العذر فيما ابتلوا به ، ونبحث عن جوانب الخير فيهم وننميها ، فقد “كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يومًا فأمر به فجلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به ، فقال النبي “صلى الله عليه وسلم ” : ” لا تلعنوه فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله “. وما يدري الإنسان لعل صاحب هذه المعصية قد استغواه الشيطان واستجاب لنزغاته ووساوس نفسه في التجربة الأولى فلم يستطع أن يتخلص منها أو يتملص ؛ وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله في حديث أبي هريرة : “لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم”.
فينبغي للإنسان أن يكون عضوًا نافعًا في مجتمعه ، مفتاحًا للخير ، مغلاقًا للشر ، وصاحب الفضل من أقال العثرات والزلات ، وفي الوقت نفسه علينا أن نبين للعالم العلاقة بين الإرهاب والإدمان.