المواجهة الشاملة للمخدرات
كما أننا في مواجهة شاملة وحاسمة مع الإرهاب فإننا في حاجة ماسة أيضًا وعاجلة إلى مواجهة شاملة وحاسمة مع إرهاب آخر لا يقل خطورة وضراوة واستهدافا للمجتمع وشبابه من استهداف المجتمع وشبابه بالفكر المتطرف وهو إرهاب الإدمان والمخدرات, فإفشال الدول أو إسقاطها أو إضعافها أو تفتيت كيانها بشتى السبل هو الغاية المرجوة لأعدائنا , فإذا وجدوا في بعض شبابنا ميلا للتطرف والغلو عملوا على استقطابهم وتجنيدهم من خلال الجماعات المتطرفة والفكر المتطرف , ومن وجدوا فيه ميلا للانحلال والتسيب حاولوا اجتذابه من خلال ما يناسب طبيعته ومزاجه سواء من جهة جره إلى جانب الإلحاد أو الإدمان أو الشذوذ , بما يؤدي إلى تفسخ المجتمع وانحلاله وضياع شبابه .
وقد تطور الأمر في الاستهداف فرأينا الجماعة المتطرفة المتاجرة بالدين المتخذة منه ستارًا للمخادعة تتجه وبقوة إلى زراعة المخدرات وتجارتها لتغطية عملياتها الإرهابية وتجنيد عناصر جديدة تابعة لها من جهة , وإفساد عقول شبابنا وإخراجهم من معادلة الصمود والمواجهة من جهة أخرى.
والمواجهة الشاملة تعني المواجهة الحاسمة لزراعة المخدرات , وتجارها على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم من أصغر مستخدَم في التوزيع إلى أكبر تاجر أو ممول , مع تغليظ العقوبات بما يتناسب مع فظاعة الجرم , وتكثيف برامج التوعية وتوفير العلاج المناسب للراغبين في الإقلاع عن التعاطي , ورعايتهم علاجيًّا ونفسيًّا وفكريًّا , مع تكثيف التوعية دينيًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا , وقد خصصنا لذلك عدة خطب وندوات ومحاضرات ودورات تدريبية .
على أننا نحتاج إلى تكثيف إعلامي وثقافي موازٍ يشمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة , وكذلك الأنشطة الثقافية والشبابية , وبخاصة المحاضرات الثقافية العامة بالمدارس والجامعات.
والذي لا شك فيه أن الخمر أم الخبائث , لأن الإنسان إذا شرب الخمر سكر ، وإذا سكر هذي , فربما قتل , أو سرق , أو ارتكب الحماقات , والخمر مخلة بالمروءة , لذا رأينا بعض العرب في جاهليتهم يهجرونها ولا يتناولونها , ويرونها مذهبة للمروءة مسقطة لها , فقد حرّم أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) الخمر على نفسه ، فلم يشربها في الجاهليّة ولا الإسلام ، وذلك أنّه مرَّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنّيها من فيه فإذا وجد ريحها صرف عنها ، فقال: إنّ هذا لا يدري ما يصنع وهو يجد ريحها فحرّمها “، وكان أبو هريرة (رضي الله عنه) يقول : ” من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ” ، وكان الحسن البصري (رحمه الله) يقول : ” لو كان العقل يشترى لتغالى النّاس في ثمنه ، فالعجب ممّن يشتري بماله ما يفسده”.
على أن الإسلام قد شدد في النهي عن شرب الخمر أو حتى مجرد الاقتراب من مجالسها , فقال الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ “, ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ ” .
وتشديدًا في النكير على كل من اقترب من الخمر متعاطيًا أو بائعًا أو صانعًا , قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ”.
على أن العبرة في الحكم هي حدوث الإسكار ، فكل مسكر خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ، على أن الأمر لا يقاس على من فسدت طبيعتهم من كثرة السكر ، إنما يقاس بأصحاب النفوس الصافية التي لم تلوث بالتعاطي أو الإدمان .