نص كلمة وزير الأوقاف بالمؤتمر الدولي لمجلس الدولة: التصويت في الانتخابات بين الحق والواجب وزير الأوقاف يـؤكد:
كل ما يحقق الصالح العام فهو مصلحة
وما يضر بالصالح العام فهو مفسدة ودفعه مصلحة
وقضايا بناء الدول وآليات الديمقراطية تُبنى على تحقيق المصلحة ودفع المفسدة
في إطار المشاركات الثقافية والعلمية لوزارة الأوقاف ، والاهتمام بالقضايا الدولية والمجتمعية ، وبدعوة كريمة من سيادة المستشار / أحمد أبو العزم رئيس مجلس الدولة ورئيس المؤتمر ، شارك اليوم الاثنين 8 / 10 / 2018م معالى الأستاذ الدكتور / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في المؤتمر الدولي لمجلس الدولة المصري والاتحاد العربي للقضاء الإداري بالتعاون مع مفوضية البندقية ــ مجلس أوروبا ــ تحت عنوان ” التصويت في الانتخابات والاستفتاءات بين الحق والواجب” ، وبحضور معالي المستشار / محمد حسام عبد الرحيم وزير العدل ، ومعالي المستشار / عمر الخطاب مروان وزير شئون مجلس النواب ، ومعالى المستشار / أحمد عبد العزيز أبو العزم رئيس مجلس الدولة ورئيس الاتحاد العربي للقضاء الإداري ، وفضيلة الأستاذ الدكتور / شوقي علام مفتى الجمهورية ، والمستشارة / أماني محمد بدر الدين الرافعي رئيس هيئة النيابة الإدارية ، والسيد المستشار / حسين عبده خليل رئيس هيئة قضايا الدولة ، والأستاذ / جياني بوكيكو رئيس لجنة البندقية التابعة لمجلس أوروبا ، وبحضور لفيف من السادة المستشارين والقضاة ورؤساء الهيئات القضائية ببعض الدول العربية والأوربية ، والسادة الإعلاميين والصحفيين .
وفي كلمته أكد معالى الأستاذ الدكتور / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على أهمية هذا المؤتمر الذى يعبر عن روح العصر والتفاعل مع قضايا المجتمع ، مبينًا أن المجتمع كان يسمع أحكامًا دينية مسبقة دون أن تحتكم لفهْم صحيح للدين ، ودون اعتبار للواقع زمانًا أو مكانًا ، ودون دراية واعية لمفهوم بناء الدولة الوطنية ، مؤكدًا أن كل ما يحقق الصالح العام فهو مصلحة، وما يضر بالصالح العام فهو مفسدة ودفعه مصلحة، وأن قضايا بناء الدول وآليات الديمقراطية تُبنى على تحقيق المصلحة ودفع المفسدة.
ثم تحدث معاليه عن تصرفات النبي (صلى الله عليه وسلم) في إدارة الدولة مبينًا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن نبينًا فحسب ، وإنما كان نبيًا ورسولًا وحاكمًا ، وقائدًا عسكريًا ، فما تصرف فيه باعتباره نبينًا ورسولًا فيما يتصل بشئون العقائد والعبادات والقيم ، والأخلاق ، وصح نسبته إليه (صلى الله عليه وسلم) أُخذ على النحو الذي بينه (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه ، ولا يختلف أمر البيان فيه باختلاف الزمان أو المكان ، كونه من الأمور الثابتة ، سواء اتصل بأمر الفرائض كصوم رمضان ، والصلاة ، والزكاة ، والحج ، أم اتصل بأمر السنن الثابتة عنه (صلى الله عليه وسلم ) كصوم عرفة وصوم عاشوراء .
أما ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم ) بصفته نبيًا وحاكمًا ، أو بصفته نبيًا وقائدًا عسكريًا ، أو بصفته نبيًا وقاضيًا ، فهو تصرف باعتبارين : باعتباره (صلى الله عليه وسلم ) نبيًا ، واعتباره (صلى الله عليه وسلم ) حاكمًا أو نبيًا أو قائدًا .
وإذا كان أمر النبوة والرسالة قد ختم بقول الله تعالى : “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ” (الأحزاب : 40) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ” فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون ” (حسن صحيح) ، فإن ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) باعتباره حاكمًا أو قائدًا عسكريًّا أو قاضيًا بقي من شروط وضرورات التصرف فيه توفر الصفة الأخرى وهي كون المتصرف حاكمًا أو قائدًا عسكريًّا أو قاضيًا بحسب الأحوال ، ولنأخذ أنموذجًا لكل صفة من هذه الصفات :
1- مما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) باعتباره رسولاً وحاكمًا معا قوله (صلى الله عليه وسلم): “من أحيا أرضًا ميتة فهي له” ، يقول الإمام أبو حنيفة (رحمه الله) : “هذا منه (صلى الله عليه وسلم) تصرف بالإمامة – أي بصفته حاكمًا- ، فلا يجوز لأحد أن يحيي أرضًا إلا بإذن الإمام ، لأن فيه تمليكًا ، فأشبه الإقطاعات ، والإقطاع يتوقف على إذن الإمام فكذلك الإحياء” .
وعليه فلا يجوز لأحد أن يضع يده على قطعة من الأرض ويقول أحييتها فهي لي وبيني وبينكم حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، نقول له إن النبي (صلى الله عليه وسلم) تصرف في ذلك بصفته حاكمًا ، فلا يجوز لغير الحاكم إصدار مثل هذا القرار المتعلق بالحق العام ، أو المال العام أو الملك العام ، وإلا لصارت الأمور إلى الفوضى وفتح أبواب لا تسد من الفتن والاعتداء على الملك العام ، وربما الاحتراب والاقتتال بين الناس ، إنما يجب أن يلتزم في ذلك بما تنظمه الدساتير والقوانين التي تنظم شئون البلاد والعباد .
2- ومما تصرف فيه النبي(صلى الله عليه وسلم) باعتباره قائدًا عسكريًّا قوله (صلى الله عليه وسلم) : “من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه” فلا يجوز لأحد الآن أن يفعل ذلك ، فإذا قتل إرهابيًّا في مواجهة إرهابية فلا يجوز له أن يقول : أنا أولى بسلاحه أو سيارته وهاتفه وما كان معه من أموال ، لأن تصرف النبي (صلى الله عليه وسلم) كان بصفته حاكمًا وقائدًا عسكريًّا ، إنما يلتزم في ذلك بما تنظمه القوانين والدساتير العصرية ونظام الدولة وقواتها المسلحة.
3- ومما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) باعتباره قاضيًا قوله (صلى الله عليه وسلم) في قضية الخلع حيث أتت امرأة ثابت بن قيس النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت : يا رسول الله ، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتردين عليه حديقته “، قالت: نعم ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : ” اقبل الحديقة وطلقها تطليقة” ، فقد تصرف (صلى الله عليه وسلم) باعتباره نبيًّا وقاضيًا ، وهو أيضًا من الأمور التي ينظمها القانون في عصرنا ويجب الالتزام فيها بما ينظمه القانون ، وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي بتطليق القاضي ، وله ضوابطه الشرعية والقانونية.