وطـن بـلا إدمـان
لا شك أن المخدرات والإدمان داء مدمر للأفراد والمجتمعات ، فالمخدرات تستهدف ضرب الوطن في شبابه وقواه العاملة والفاعلة والمؤثرة ، لتسلب عقولهم وإرادتهم وتنتهك قواهم العقلية والبدنية ، وتجعل منهم عالة على أهليهم وأوطانهم ، بل معاول هدم لها ، وقد جعل ديننا الحنيف حفظ العقل من الكليات الخمس التي عني بها عناية بالغة ، وهي حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل ، يقول الإمام أبو حامد الغزالي (رحمه الله) : ومقصود الشرع من الخلق خمسة ، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم ، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة ، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ، ودفعه مصلحة .
وهنا نوجه عدة رسائل :
الأولى : للآباء والأمهات والمجتمع , وهؤلاء نذكرهم بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” , وأن الإدمان والمخدرات أحد الأسلحة التي يوجهها الأعداء إلى مجتمعاتنا للفتك بشبابنا، والفتك بمقدراتنا ، مما ينبغي معه أن نقف جميعًا دعاة ، ومفكرين ، وعلماء ، وباحثين ، وآباء , ومربين وقفة رجل واحد في مواجهة استهداف أبنائنا وشبابنا ، وأن نقف صفًّا واحدًا في وجه المتاجرين بعقول أبنائنا وبمقدرات وطننا ، وأن نعلم أن هذا الداء إن لم نقف صفًّا واحدًا في مواجهته قد يتخطف ابنا من أبنائك ، أو أخًا لك، أو عزيزًا عليك، وأن نبذل أقصى ما في طاقتنا مرضاة لله (عز وجل) أولا ، ثم محافظة على أوطاننا ، وشبابنا ، وأبنائنا ، ومقدراتنا ثانيا ، ونقول لكل أب : إن مسئوليتك ليست محصورة في الطعام والشراب ، بل يجب عليك أن تراقب سلوك أبنائك ، وأن تتابعهم ، وأن تأخذ بأيديهم إلى سبيل النجاة.
الرسالة الثانية : لجالبي هذه السموم وتجارها , وهؤلاء نحذرهم من عاقبة المال الحرام في الدنيا والآخرة ، فالمال الحرام داء قتال وسم زعاف ، فأي مال يجنى من سبيل المخدرات والإدمان هو مال حرام مهلك ومدمر لصاحبه في الدنيا والآخرة ملعون هو وصاحبه ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ” (سنن أبي داود ) ، ويقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (المائدة :90) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به” ، ولخطورة الخمر ومخاطر الإدمان حذرنا (صلى الله عليه وسلم) حتى من مجرد الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر , فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ ” (سنن الدارمي) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ ، إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ” (رواه البخاري) .
والرسالة الثالثة : للمؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية والثقافية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني , على أن تجعل كل هذه المؤسسات من مواجهة الإدمان والمخدرات والتحذير من مخاطرهما جزءًا أصيلاً في جميع برامجها ، وأن تقوم وسائل الإعلام مسموعة ومقروءة ومرئية بتسليط الضوء وبقوة على مخاطر هذه الظواهر السلبية ، كما ينبغي أن تبرز الأعمال الفنية والإبداعية الآثار السلبية للوقوع في مخالب الإدمان ، أو تجار السموم أو موزعيه ، سواء على الفرد أم على أسرته أم على مجتمعه ، ذلك أن شر المدمن لا يقف عند شخصه إنما يتجاوزه إلى أسرته وأصدقائه وزملائه ومجتمعه ووطنه ، ذلك أن من فقد عقله أو اختل توازنه الفكري والنفسي يمكن أن يرتكب أي حماقة من الحماقات لذلك قالوا :”الخمر أم الخبائث” .
كما أننا نحتاج إلى المواجهة الحاسمة لزراعة المخدرات , وتجارها على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم من أصغر مستخدَم في التوزيع إلى أكبر تاجر أو ممول , مع تغليظ العقوبات بما يتناسب مع فظاعة الجرم , وتكثيف برامج التوعية وتوفير العلاج المناسب للراغبين في الإقلاع عن التعاطي , ورعايتهم علاجيًّا ونفسيًّا وفكريًّا , مع تكثيف التوعية دينيًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا ، ولهذه المخاطر أطلقنا في وزارة الأوقاف المصرية مبادرة “وطن بلا إدمان” , آملين أن نسهم مع جهود شركاء المبادرة في رفع مستوى الوعي بمخاطر الإدمان والمخدرات.