نقلاً عن جريدة الأخبار
نظرت وتأملت في الأسلوب المنحط لإعلاميي الجماعة الإرهابية ، وفكرت في اختيار معادل لغوي دقيق لهذا الانحطاط ، وتوارد علي ذهني ألفاظ مثل السفالة ، الوقاحة ، الانحطاط ، ولكني ترفعت أن أنجرَّ إلي مثل لغتهم الساقطة ، فاخترت عنوانًا أكثر دقة وموضوعية »المنسلخون من الدين والقيم» ، فما أسوأ أن ينسلخ الإنسان من كل القيم الدينية والإنسانية ، ولاسيما إن كان ممن يدعي أنه الحريص علي الدين والقيم ، وهو عين المتاجر بدينه وبكل القيم ، علي حد قول المتنبي »ممن تأشب لا دين ولا خلق».
وأؤكد أن ما يقوم به هؤلاء المنحطون ليس عن غفلة ولا سبق لسان إنما هو منهج مدروس قصد تشويه الرموز الوطنية ، وتحقير الإنجازات الكبري ، والتهوين من شأنها ، مع تهويل أي هنات يسيرة وكأنها جريمة كبري ، مستخدمين أسلوب التهكم والسخرية لتمرير كذبهم وافترائهم وشائعاتهم ، متناسين أو متجاهلين قول الله تعالي : »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَي أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَي أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» ، وأن ديننا الحنيف هو دين مكارم الأخلاق ، وأن نبينا (صلي الله عليه وسلم) لم يكن سبابًا ولا لعانًا ولا فاحشًا ، وذلك لانطماس بصيرتهم ، لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة أي وسيلة ، حتي لو كانت كذبًا وافتراء علي خلق الله أو تحريفًا للكلم عن مواضعه ، أو حتي كانت اتهامًا للناس في أعراضهم بغير حق متناسين قول الله تعالي : »وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» ، وأن الشائعات ليست مجرد كذب بل هي كذب وافتراء متعمد وممنهج في إطار حروب الجيل الرابع والجيل الخامس في استخدام خونة وعملاء يخربون بيوتهم بأيديهم، ويدمرون أوطانهم بأيديهم ، جريًا خلف وهم سلطة لن يدركوها أبدًا بإذن الله تعالي ، لأن الدنيا بأسرها اكتشفت خطر هذه الجماعات الإرهابية وتاريخها الدموي الأسود ، واستباحتها للقتل وإراقة الدماء ، وانطلاقها من التبديع والتفسيق والتجهيل إلي التكفير فالتفجير والتخريب والإفساد في الأرض ، محاولين ستر ذلك كله بأساليب صارت مكشوفة » وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ».
وإذا أردت دليلاً بينًا واضحًا علي كذبهم وافترائهم فاعلم أن ديننا قائم علي البناء لا الهدم ، فكل ما يدعو للبناء والتعمير هو من صميم مقاصد ديننا الحنيف ، وكل ما يدعو للهدم والتخريب فإنه يخالف كل القيم الدينية والإنسانية وينسفها نسفًا.
وحيث نجد مكارم الأخلاق والصدق والأمانة والرقي في الخطاب فثمة مبادئ الأديان السمحة ، وحيث تجد السباب واللعان والفسوق والانحطاط القيمي فانفض يدك ممن كانت هذه أخلاقهم وكبر أربعًا علي دينهم وأخلاقهم لأنهم بذلك لا يألون علي خلق ولا دين في سبيل إثارة العامة وتحريضهم علي تخريب أوطانهم ومحاولة تجرئتهم علي الرموز والمؤسسات الوطنية ، فعناصر هذه الجماعات الضالة المضلة لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية ، فالوطن عندهم لا يساوي أكثر من حفنة من التراب ، وقد حاولوا لعقود التهوين من شأن الأوطان وقيمتها خدمة لمن أنشأ هذه الجماعة ومن يمولها ومن يستخدمها رأس حربة لتفتيت وتفكيك دولنا ، من أجل السيطرة علي خيراتها ومقدراتها الاقتصادية ودول المنطقة كلها.
علي أن التاريخ والحاضر يثبتان كل يوم جديدًا في العلاقة بين جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات الإرهابية الأخري ، فهم في خندق واحد يجمعهم هدف واحد هو هدم دول المنطقة ، وخدمة من يمولونهم ويستخدمونهم ، ولو أنهم لم يستتروا بعباءة الدين ولم يتدثروا بها لربما كان الخطب أهون وأقل فجيعة ، أما الطامة الكبري فتتمثل في أنهم صاروا عبئا ثقيلا علي دينهم لما يشوهونه من صورته السمحة وآدابه العظيمة ، فصاروا صادين عنه منفرين منه لا دعاة إليه ، وعبئًا ثقيلا علي أوطانهم التي يعملون ليل نهار علي تخريبها ودك بنيانها ، مما يتطلب منا جميعًا علماء وكتابًا ومفكرين بذل أقصي الجهد لكشف حقيقة هؤلاء الخونة والعملاء ، وبيان زيف هذه الجماعات الإرهابية وزيغها وضلالها وإضلالها ، وتحريفها للكلم عن مواضعه وليّها لأعناق النصوص دعمًا لفكرها المنحرف ، وبث الشائعات والعمل المستمر علي ترويجها من خلال كتائبهم الإلكترونية ومن يدعمونهم من أعداء أمتنا المتربصين بها ، بل ومن بعض بني جلدتنا المستخدمين أداة في أيدي أعدائها ممن باعوا أنفسهم وأمتهم ودينهم بثمن بخس ، وسيندمون حين لا ينفع الندم ، لأن الله (عز وجل) لا يصلح عمل المفسدين ، وسيرد كيدهم في نحورهم ، » وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ».
ونؤكد أن قضيتنا مع هؤلاء هي قضية دين ووطن وأمة ؛ لأن أوطاننا لا تنفك عن المقاصد السامية لديننا الحنيف.