دور المرأة في المشاركة الوطنية
أ.د/محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
لا شك أن الوطن في حاجة إلى جهود كل أبنائه وأطيافه ، رجالاً ونساءً ، شيوخاً وشباباً ، في تكامل وتنسيق ، كلٌ يدلي بدلوه ويضرب بسهمه في خدمة الوطن وقضاياه ، غير متجاهل أي فريق أو مقلل من جهده وعطائه ، مهما كانت درجة هذا الجهد ، فالقليل إلى القليل كثير ، ولا غنى عن طاقة الشباب كما أنه لا غنى عن خبرة الشيوخ ، ولا غنى عن جهود المرأة ومشاركتها الإيجابية كما أنه لا غنى عن عطاء الرجل وتفانيه في خدمة وطنه ، وقد عرف التاريخ الإسلامي والتاريخ الإنساني شخصيات نسائية كان لها دورها البارز ليس في محيطها الجغرافي أو الزمني فحسب، وإنما كانت ذات تأثير كبير في تاريخ الإنسانية .
فحين يحدثنا القرآن الكريم عن مريم ابنة عمران عليها السلام ، أو عن آسية امرأة فرعون ، أو عن ملكة سبأ ، نجد أننا أمام نساء كان لهن دور بارز في التاريخ الإنساني ، وكذلك عندما نقرأ في سير زوجات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من أمثال السيدة عائشة رضي الله عنها والسيدة خديجة رضي الله عنها والسيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ، أو نقرأ قصص بعض الصحابيات أو التابعيات أو من كان لهن دور عبر الكفاح الوطني في مصر أو غيرها من دول العالم .
ولا شك أننا عندما نتحدث عن فرض الكفاية الوطني وفرض الكفاية المهني فإننا لا يمكن أن نقصر ذلك على الرجال دون النساء ، فدور النساء في العمل الوطني والخيري والتطوعي قد يسبق عمل الرجال ، فالطبيبات إلى جانب الأطباء ، والمعلمات إلى جانب المعلمين ، والمهندسات إلى جانب المهندسين ، والفنيات إلى جانب الفنيين يكمل بعضهم بعضاً في أداء الرسالة والواجب المهني ، إضافة إلى العاملات اللائي يقفن إلى جوار أزواجهن في المصانع والمعامل والحقول ، مما يجعلنا نؤكد أن المرأة تسهم إسهاما جيدًا في تحقيق فرض الكفاية الوطني والمهني .
ويبقى انتظارنا لمشاركتها الإيجابية في الاستحقاقات الوطنية المقبلة التي يكون في مقدمتها الاستفتاء على الدستور ، ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بغض النظر عن التقدم أو التأخر في ترتيبها ، فبما أن المرأة تمثل نحو نصف المجتمع بنسبة تزيد على 49 % من القوة التصويتية ، فإن مشاركتها أو صوتها قد يكون حاسما في تصحيح مسيرة الوطن وتمكينه من تجاوز هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها إلى مرحلة الأمن والاستقرار والتقدم والرخاء إن شاء الله .
وكما أن على المرأة واجبات فإن لها حقوقاً أقرها لها الشرع الحنيف ، وأقرها لها الدستور والقانون .
وسأركز في هذا المقال باعتبار تخصصي على الجانب الشرعي في معاملة المرأة .
فالقرآن الكريم عندما تحدث عن طرفي المعادلة في الجنس البشري وهما الرجل والمرأة قال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ” ، وقال سبحانه: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا “، وقال سبحانه : “وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ” ، فالرجل والمرأة من نفس واحدة في الخلقة ، وكل منهما زوج لصاحبه ، والفصيح في لغة العرب زوج لا زوجة ، فكل من الزوجين مكمل لصاحبه في البناء الإنساني والوطني .
ولم يبخس الإسلام أيا من الطرفين حقه ، فقال سبحانه : ” وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ” وقال سبحانه : ” فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ” وقال سبحانه : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ” ، وقال سبحانه : ” وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ” .
وعندما أتت أسماء بنت يزيد بن السكن المعروفة بخطيبة النساء إلى النبي(صلىالله عليه وسلم) وهو بين أصحابه فقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله, أنا وافدة النساء إليك, إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وصدقناك ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم, وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج, وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله , وإن الرجل إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم . أفما نشارككم في هذا الأجر والخير ؟
فالتفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: ” هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها ، من هذه ؟” فقالوا: يا رسول الله, ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، إنها أسماء بنت يزيد بن السكن فالتفت النبي إليها فقال: ” اعلَمى أيتها المرأة وأعلِمي من خلفك من النساء أن حسن تبعُل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله”. فانصرفت المرأة وهي تهلل.
وعندما استوقفت امرأة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وحوله الناس وأخذت تعظه قائلة يا عمر قد كنت تُدعَي عميراً ، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ، وهو واقف يسمع كلامها ، فقيل له في ذلك . فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خوله بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر !
وذلك في قوله تعالى : ” قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ” ، فماذا عن قوله تعالى ” وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ” .
ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ( من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ، ولم يؤثر ولده عليها – يعني الذكور – أدخله الله الجنة ) . فقد نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ما يفعله بعض الناس من إيثار الأبناء على البنات في المأكل أو المشرب أو الملبس أو المسكن أو المعاملة الكريمة ، وعندما كان أحد الناس يجلس إلى جانب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جاء ابنه فقبله ووضعه على فخذه ، ثم جاءت ابنته فقبلها وجعلها إلى جانبه ولم يضعها على فخذه ، فقال له النبي ما عدلت بينهما .