نقلا عن صحيفة الجمهورية عدد الجمعة 9 / 6 / 2018م
لا شك أن الله (عز وجل) قد اصطفى بعض الناس على بعض ، وبعض الرسل على بعض ، حيث يقول سبحانه : ” اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ” (الحج : 75) ، ويقول سبحانه : ” تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ” (البقرة : 253) ، ويقول (عز وجل): ” وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ” (الزخرف : 32) .
كما فضل سبحانه وتعالى بعض الأيام على بعض وبعض الليالي على بعض ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : ” إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدً ” .
ومن الشهور المباركة التي لها فضل كبير شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن الكريم ، حيث شرفه وكرمه رب العزة (عز وجل) بنزول القرآن الكريم فيه ، فقال سبحانه : ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ” (البقرة : 185) ، وفيه ليلة مباركة هي ليلة نزول القرآن ، وهي خير من ألف شهر ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” (القدر : 1-5) ، ويقول سبحانه : ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ “(الدخان : 3-5) .
وفيه العشر المباركات ، وهي العشر الأواخر منه ، وفيها كان يجتهد نبينا (صلى الله عليه وسلم) غاية الاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله (عز وجل) , فكان (صلى الله عليه وسلم) إذا دخلت هذه العشر أحيا ليله ، وأيقظ أهله وشد مئزره .
وإذا كان رمضان هو شهر العتق من النار ، وما من ليلة من لياليه إلا لله (عز وجل) فيها عتقاء من النار ، فإن ذلك أرجى وأوكد في هذه العشر ، وإذا كان ربنا (عز وجل) يغفر للمستغفرين بالأسحار ، فإن هذه الرحمة وهذه المغفرة أرجى في هذه العشر ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له).
وإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد حثنا ووجهنا إلى التماس ليلة القدر في هذه العشر ، فعلينا أن نكثر فيها من الدعاء والاستغفار والتكافل والتراحم ، رجاء أن تصيبنا نفحة من نفحات هذه الأيام لا نشقى بعدها أبدًا .
وفي هذه الليالي وأيامها أيضًا إخراج زكاة الفطر ، وفي زماننا هذا نميل إلى الرأي القائل بالتعجيل في إخراجها قبيل العيد تمكينًا للفقراء من قضاء حوائجهم قبل دخول العيد عليهم ، وقد حددت دار الافتاء المصرية بالتشاور مع مجمع البحوث بالأزهر الشريف الحد الأدنى لزكاة الفطر بثلاثة عشر جنيهًا عن كل شخص صغيرًا أو كبيرًا ، يخرجها الإنسان عن نفسه وعن من تلزمه نفقته من أهل بيته ، ومن وسع وسع الله عليه .
والسنة هي التوسعة على الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين في هذه الأيام ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم ” (السنن الكبرى) ، والمراد لا تحوجوا أحدًا منهم للسؤال أو الشعور بالحاجة في هذا اليوم المبارك ، وذلك بإدخال السعادة والسرور عليهم وعلى أبنائهم فيه .
ويجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا مراعاة لمصلحة الفقير ، بل نرى أن إخراج القيمة – أي النقد- أنفع للفقير في مجتمعنا وزماننا ، كونه أوسع للفقير في قضاء حوائجه ، مع جواز إخراج الحَبّ وعدم الإنكار على من أخرج زكاة الفطر حبًّا ، شريطة وصول هذا أو ذلك إلى الفقير المستحق قبل صلاة عيد الفطر .