وزير الأوقاف في الاحتفال بذكرى فتح مكة يؤكد:
فتح مكة جسد قيمة التسامح في أسمى معانيها
فكان أعظم يوم في تاريخ الإنسانية
وثيقتا المدينة والحديبية أعظم وثائق التعايش في تاريخ البشرية
لنشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والسلم لا بالقتل والعدوان والتنكيل
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة احتفلت وزارة الأوقاف مساء يوم الثلاثاء الموافق 20 رمضان ١٤٣٩ هـ الموافق 5 يونيو ٢٠١٨ م بذكرى فتح مكة بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بالقاهرة ، بحضور الدكتور / حسن سليمان رئيس شبكة إذاعات القرآن الكريم ، و أ.د/ أحمد علي عجيبة الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وفضيلة الشيخ/ جابر طايع رئيس القطاع الديني ، وفضيلة الشيخ/ خالد خضر مدير مديرية أوقاف القاهرة ، ولفيف من قيادات وزارة الأوقاف .
وفي كلمته أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أننا في ليلة طيبة مباركة والتي يرى بعض أهل العلم أنها من الليالي التي أقسم بها ربنا في قوله تعالى : “والفجر وليال عشر” ؛ لأهميتها وعظم مكانتها ، ولما يحل بها من خير على العباد ، موضحا أنه في ثقافة الكثير من الناس يكادون يحصرون ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين ؛ فيولونها بدعاء خاص وبزيادة العبادة والاعتكاف ، إلا أن نبينا (صلى الله عليه و سلم) علمنا أن نلتمس ليلة القدر في العشر الأواخر والتي تبدأ بهذه الليلة المباركة ، لذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله بالقيام والذكر والدعاء ودروس العلم ، وأيقظ أهله للعبادة والاعتكاف ، فحثهم على التعاون والطاعة العبادة ، مبينا معاليه معنى العبادة والاعتكاف وأن لهما مقصدًا وغاية ، وهو أن ينقطع الإنسان لله ، معتمدًا ومتوكلا عليه ، فالله ( عز وجل) لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه دون رياء ، فمقصد العبادة التخلية قبل التحلية.
كما أوضح معاليه أننا يجب أن نستلهم الدروس والعبر من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) , ومن أهمها : فضل التسامح ، مستشهدا بما فعله النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهل مكة عندما دخلها فاتحا منتصرا ، فقال لهم : ما تظنون أني فاعل بكم ، قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال (صلى الله عليه وسلم) قولته المشهورة : (اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ، وهو ما يجسد قيمة التسامح في أسمى معانيها ، موضحا معاليه أنه موقف عظيم من أعظم مواقف الإنسانية ، فهؤلاء هم من آذوا النبي (صلى الله عليه وسلم) وأخرجوه من بيته ووطنه ، ومع ذلك عفا عنهم وتسامح معهم ، حرصًا منه (صلى الله عليه وسلم) على دخول مكة بلا قتال ولا سفك دماء.
كما أكد معاليه أن وثيقتي المدينة والحديبية أعظم وثيقتين في التسامح والرحمة ، والتعايش السلمي وفقه العيش المشترك في تاريخ البشرية جمعاء ، لما تمثلاه من دليل دامغ على الرقي والإنسانية ، ففي وثيقة المدينة ليس أعظم من أن يعدد النبي (صلى الله عليه وسلم) يهود المدينة من بني عوف والنجار وغيرهما ، ويكتب أنهم مع المؤمنين أمة ، فهذا تأصيل وتأسيس لروح الدولة والمواطنة ، وما فعله تشريع لحرية المعتقد .
كما أشار معاليه إلى أن صلح الحديبة قد نص على أنه من أراد أن يدخل في حلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فليدخل ، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش فليدخل ، فدخل بنو بكر في حلف قريش ، ودخلت خزاعة في حلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، غير أن قريشا هي التي نقضت العهد ، فهب النبي (صلى الله عليه وسلم) لنجدة حلفائه ، فكان فتح مكة .
وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد قبل شروط الصلح المجحفة من قريش ، والتي منها : أن من جاء من قريش إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) بغير إذن وليه يرده عليهم ، ومن جاء قريشًا من المسلمين لا ترده ، فتعجب بعض الصحابة من تلك الشروط حتى قال عمر (رضي الله عنه) : فلم نعطي الدنية في ديننا ، فقال (صلى الله عليه وسلم): “من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا”، ثم قال لسيدنا علي (رضي الله عنه) : ” اكتب يا علي: هذا ما تعاهد عليه محمد رسول الله مع قريش” ، فقال سهيل بن عمر : لو نعلم أنك رسول الله تابعناك، لكن أكتب محمد بن عبدالله ، فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا علي : امحها يا علي ، فقال علي: لا، والله لا أمحاها ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أرني مكانها ، فأراه مكانها فمحاها بنفسه (صلى الله عليه وسلم) ، وكتب ” محمد بن عبد الله ” فقد أراد أن ينشر دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة والسلم لا بالقتل والعدوان والتنكيل ، حيث لم تكن هناك غزوة في الاسلام للحرب والبغي ، بل ردا للعدوان والظلم والخيانة ، فقد كان النبي (صلى الله عليه و سلم) حريصا على حقن الدماء والسلم والتسامح وحرية المعتقد.
كما نصح معاليه كل عابد صائم قائم معتكف لله أن يملأ قلبه بالرحمة والتسامح والخضوع والخشوع لله (عز وجل) ، مؤكدا أن هذه الرحمة هي التي سمت بالرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى أعلى الدرجات ، فديننا دين الأخلاق والمكارم ، ولنا في النبي (صلى الله عليه وسلم) الأسوة لقوله :” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
كما أكد معاليه أن الاعتكاف لا قيمة له ما لم يمتلئ قلب صاحبه بالرحمة والتسامح ، فلابد أن تصل العبادة بصاحبها إلى الصدق والإخلاص والأمانة وعدم الغش .
وفي نهاية الحفل دعا معاليه لمصر وأهلها بالأمن والأمان ، والسخاء والرخاء ، سائلا الله (عز وجل) أن يبلغنا ليلة القدر ولا يحرمنا فضلها.