قافلة علماء الأوقاف بالوراق تؤكد:
رعاية الأيتام واجب شرعي ومجتمعي
ورعاية اليتيم وإصلاح شأنه خلق إنساني دعت إليه جميع الشرائع السماوية
بتوجيهات من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف وجه رئيس القطاع الديني فضيلة الشيخ/ جابر طايع يوسف بتسيير قافلة دعوية لجزيرة الوراق يوم الجمعة 6 / 4 / 2018م، وقد واصلت القافلة عطاءها الدعوي بالمساجد الكبرى بجزيرة الوراق بمديرية أوقاف الجيزة ، حيث قام أعضاء القافلة بإلقاء خطبة الجمعة الموحدة بالمساجد الكبر ى بجزيرة الوراق تحت عنوان “رعاية الأيتام واجب ديني ومجتمعي” حيث أكد أعضاء القافلة أن الدين الإسلامي دين رحمة ، اهتم بالفئات الضعيفة اهتمامًا عاليًا، وأولاها رعاية فائقة ، وعناية خاصة ، ومن تلك الفئات الضعيفة (اليتامى).
فمن على منبر المسجد الكبير أكد فضيلة الشيخ / الأمير سعد علي إمام وخطيب بأوقاف القاهرة أن رعاية اليتيم وإصلاح شأنه خلق إنساني وحضاري رفيع دعت إليه جميع الشرائع السماوية ، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ …}، وقام بهذا الخلق أنبياء الله ورسله (عليهم السلام) ، فهذا نبي الله زكريا (عليه السلام) يتنافس مع عُّبَّاد بني إسرائيل على من ينال شرف كفالة السيدة مريم (عليها السلام) بعد وفاة والدها عمران ، قال تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. وفي السنة النبوية المطهرة ما يدل على اهتمام النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمر اليتيم ، فحينما استشهد الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) يوم مؤتة جاءت زوجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وجعلت تذكر من يُتْمِ أولادها وحاجتهم…إلخ ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (الْعَيْلَةَ ــ الفقر والفاقة والحاجة ــ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟!) .
ومن فوق منبر مسجد الإيمان أشار فضيلة الشيخ / السيد على بحيرى إمام وخطيب بأوقاف القاهرة إلى أن الإسلام دعا إلى إصلاح جميع أحوال اليتامى والقيام على شئونهم ، فقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، والمتدبر في الآية الكريمة يرى أن التعبير القرآني قد جاء بكلمة (إصلاح) ليكون شاملًا لكل وجوه العناية والرعاية ، فالإصلاح اسم جامع لكل ما يحتاج إليه اليتيم ، فقد يحتاج إلى المال فيكون الإصلاح برًّا وعطاءً ماديًّا ، وربما يكون اليتيم غنيًّا فيحتاج إلى التقويم والتربية، فيكون الإصلاح هنا رعاية وتربية ، وقد يحتاج إلى من يتاجر له في ماله أو من يقوم على شئون زراعته أو صناعته فيكون الإصلاح هو القيام بذلك ، وقد لا يحتاج إلى هذا ولا ذاك ، وإنما تكون حاجته إلى العطف والحنو والإحساس بمشاعر الأبوة فيكون الإصلاح بتوفير ذلك له، وقد يكون الإصلاح في تقويم زيغه واعوجاجه وتهذيب سلوكه وأخلاقه ، وبهذا المعنى الشامل للرعاية والكفالة جاءت النصوص القرآنية والنبوية تحثنا وتدعونا إلى إصلاح أحوال اليتامى ، ورعاية شئونهم .
ومن على منبر مسجد الصحابة أكد فضيلة الشيخ / عبد الحميد عبد الرحيم عبد الحميد إمام وخطيب بأوقاف القليوبية على ضرورة الرعاية النفسية لليتامى : فقد نهى الإسلام عن استذلالهم ، أو إهانتهم ، أو احتقارهم ؛ محافظة على نفسيتهم ، ورعاية لمشاعرهم ، فقال تعالى مخاطبًا نبيّه (صلى الله عليه وسلم) ومُعلمًا لأمته:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}، أي: لا تحقره ، ولا تظلمه ، ولا تستذله ، ولا تمنعه حقه الذي في يدك ، وكن له كالأب الرحيم ، كذلك جعل القرآن الكريم إهانة اليتيم، وعدم إعطاءه حقه ، وعدم الإحسان إليه من صفات المكذبين بدين الله (عزّ وجلّ) ، فقال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}، أي: يدفعه دفعًا عنيفًا بجفوة وأذى، ويردّه ردّا قبيحًا بزجر وخشونة إذا طلب منه شيئًا.
كذلك حثت السنة النبوية المطهرة على مراعاة نفسية اليتامى ، ورفع معنوياتهم ، والإحسان إليهم ، ومن مظاهر ذلك المسح على رؤوسهم ، فعن أبي أمامة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى).
ومن فوق منبر مسجد عمر بن الخطاب أكد فضيلة الشيخ / أحمد عبد العال حسن إمام وخطيب بأوقاف القليوبية أن تخصيص يوم لليتيم فكرة نبيلة ينبغي أن نسعى فيه جميعًا إلى إدخال السعادة والسرور على من فقدوا آباءهم ، وإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم في الحياة ، وإن كان الله (عز وجل) قد قدر عليهم فقد آبائهم فإن هذا التقدير لا يخلو من حكمة ، ويجب علينا أن نجعلهم في قلوبنا ، ومحل رعايتنا واهتمامنا ، مؤكدين أن الأمر لا يقتصر على يوم واحد في العام ، وإنما ذلك من باب الذكرى لمن شغلتهم الحياة عن هذا الواجب الإنساني والمجتمعي .
وإذا كنا نتحدث عن الأيتام ونوصي بهم وبإصلاحهم فإن هذا لا يعني التقاعس من جانبهم والميل إلى السكون والدعة والراحة ، بل على العكس من ذلك ، فيجب أن يكون يتمهم هذا دافعًا لتفوقهم ونبوغهم وبلوغهم أعلى المراتب ، والمتتبع لسير الأعلام والعظماء في تاريخ الأمم يرى أن كثيرًا منهم عاش وتربى يتيمًا ، وكان ذلك دافعًا له على الترقي والتفوق والنجاح ، ويكفي اليتيم شرفًا أن الذي نشر الهدى والرحمة في الناس ولد يتيمًا ونشأ وتربى وعاش يتيمًا ، فاليتم ليس نقمة ولا يمنع من النجاح والتفوق ، وخدمة المجتمعات والأوطان ، بل هو رحمة من الله رب العالمين.