كلمة السيد المستشار/ محمد خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة في افتتاح المسابقة العالمية الخامسة والعشرين للقرآن الكريم
المسابقة العالمية للقراَن الكريم
وريادة مصر في مكافحة التطرف والإرهاب
إن افتتاح وزارة الأوقاف المصرية للمسابقة العالمية للقراَن الكريم الخامسة والعشرين برعاية السيد رئيس الجمهورية بمشاركة دولية واسعة بما يقرب من خمسين دولة يشارك فيها ستة وستون متسابقاً وعشرة محكمين دوليين يمثل أهمية كبرى في العالم العربي والإسلامي , إن القراَن الكريم كتاب الله تعالى القويم الهادي إلى صراط مستقيم , فالالتزام بهدي القراَن هو الغاية القصوى والهدف الأسمى لطلاب العلم الشرعي وما يرتبط به من مختلف العلوم , ولا يتحقق ذلك إلا بإتقانه حفظاً وتلاوة وفهماً صحيحا وتطبيقاً سليماً لبيان وجه الرحمة والسلام في كتاب الله جل علاه.
والمسابقة العالمية للقراَن الكريم التي تنظمها وزارة الأوقاف تعد استكمالاً لدورها الرائد الذى منحه لها المشرع في مهمة إدارة المساجد والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها وذلك ضمانا لقيام هذه المساجد برسالتها في نشر الدعوة الإسلامية على خير وجه , ذلك أن الدولة إدراكا منها لرسالتها في دعم التوجيه الديني في البلاد على وجه محكم , وتأكيدا لمسئولياتها في التعليم والإرشاد وما يتطلبه ذلك من وضع مبادئ عامة لجميع المساجد والزوايا في المدن والقرى تستهدف نقاء المادة العلمية وسلامة الوجهة التي يعمل بها الخطباء والمدرسون, بما يحفظ للتوجيه الديني أثره , ويبقى للمساجد الثقة في رسالتها , لذا عهد لوزارة الأوقاف وهي من أقدم الدواوين في تاريخ مصر بما لها من تقاليد راسخة ومتوارثة حيث تولى مسئوليتها عظماء على مدار التاريخ من أصحاب الفكر الوسطي المستنير الذين حملوا على أعناقهم حماية الدعوة الاسلامية الصحيحة في المنطقة العربية والإسلامية في العالم الإسلامي بأسره.
إن التاريخ الذي يرصد ويسجل يشهد على أن الفترة اللاحقة لثورة 25 يناير 2011م قد لوحظ أن عددا كبيراً من المساجد لا يخضع لإشراف وزارة الأوقاف وهذه المساجد كان يسيطر عليها الارتجال ويترك شأنها للظروف ولا يوجد بها من يحمل مسئولية التعليم والإرشاد من المتخصصين في علوم الدين , ولما كان بقاء هذه الحال قد ينقص من قيمة التوجيه الديني ويضعف الثقة برسالة المساجد , ويفسح الطريق لشتى البدع والخرافات التي تمس كيان الوطن واستقراره , خصوصاً وأن ما يقال فوق منابر المساجد إنما يقال باسم الله , لذلك فإن وزارة الأوقاف تحملت عبء المسئولية خاصة بعد ثورة 30 يونيه 2013 لوضع نظام للإشراف على هذه المساجد بحيث يكفل تحقيق الأغراض العليا من التعليم الديني العام وتوجيه النشء وحمايتهم من كل تفكير دخيل أو جهيل وبحسبان أن المساجد والزوايا متى أقيمت وأذن للناس فيها بالصلاة تخرج من ملكية العباد إلى ملكية مالك الملك الله سبحانه وتعالى ولا ترد عليه تصرفات البشر , ويقوم بالإشراف عليها أولى الأمر , وما ينبغي الإشارة إليه أن نشاط وزارة الأوقاف بقيادة وزيرها الكفء معالي الدكتور/ محمد مختار جمعة تهدف بذلك إلى تنمية الشعور بمبادئ الشريعة الغراء من خلال القرآن الكريم حفظا وفهما لدى طلاب المدارس بالقراءة الصحيحة والمفهوم المستنير للدين الوسطى الحنيف بعيدا عن عوامل التطرف وهو دور رائد يكمل الدور التعليمي لقيام المدرسة بدورها في توفير الجو المناسب لحفظ القران الكريم , فضلاً عن أن التنافس في حفظ القران الكريم هدف يستحق كل دعم وتشجيع من قبل مصر الدولة الرائدة وهو ما يساهم في تنمية النشء تربية إيمانية مستوحاة من سماحة واعتدال الدين المستنير , و ربط المسلمين بكتاب ربهم وتنوير بصائرهم به وتعظيمه في نفوسهم وهو ما يلقى بأثاره في التحلي بالأخلاق السامية وتهذيب السلوك والارتقاء بالمجتمع .
إن المسابقة العالمية للقراَن الكريم هي من أدوات اكتشاف القدرات والمواهب الكامنة في نفوس النشء للعمل على صقلها , ورعايتها الرعاية الصحيحة لتخريج جيل من المقرئين والمجودين والأئمة والخطباء والدعاة المميزين الذين سيحملون مشعل الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة ومجادلة بالتي أحسن وفقا لمفهوم الدين الوسطي , وكما قال بحق وزير الأوقاف ” لتكون قلوبهم وعقولهم أرضًا خصبة لقيم ومبادئ الإسلام الوسطي النقي الخالص من شوائب جماعات الشر, وحتى لا نترك النشء من أبنائنا للجماعات المتطرفة للتأثير على وجدانهم وتشويه عقولهم ” ذلك أن مفاهيم الإسلام عن التسامح والإنصاف يفتحان الأبواب المغلقة والقلوب الموصدة .
ومن واجب الإنصاف في هذا المطاف , أن نشير إلى أن مصر بقيادتها السياسية الحكيمة الواعية لطبيعة المخاطر التي تحاك ضد الأمة قد أولت مكافحة التطرف والإرهاب مكان الصدارة في الصلاح الفكري للأفكار المتطرفة منذ البداية والتوجيه بتطوير أساليب الخطاب الديني , ولقد لعبت وزارة الأوقاف دورا رائدا في ترجمة هذه الرغبة إلى واقع ملموس ومحسوس من خلال منهجها في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وسلوك مسلك الوسطية والحنفية السمحاء وتبنى الأفكار غير التقليدية والملائمة لطبيعة وتطور العصر , والعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وأثار التعصب الديني الذى ينتج عنه الانحراف في الفكر المذهبي والسياسي , وابراز تجليات جوهر الدين الأصيل , ذلك أن ظاهرة التطرف واستخدام العنف في المجتمع بمختلف أشكالها وتجلياتها تشكل ظاهرة عالمية مرضية تعبر عن اختلال في التقدير والتصور والسلوك خاصة منذ السنين الأولى للنشء , ومن هنا تبدو الأهمية لبيان الوسطية التي تعد خاصية متلازمة للأمة الإسلامية في قوله تعالى : “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ” (سورة البقرة الآية : 143).
إن الطريق القويم والنهج المستقيم للوسطية هي التي تؤهل هذه الأمة للقيادة والريادة بالعدل والقسطاط , إن مصر وقد استوت على قمة العالمين العربي والإسلامي, ليس فقط بكثافة سكانها وموقعها المتميز , وإنما بحضارة تليدة وموروث ثقافة جعلت منها في ثورات العرب وحروبهم وبانتصاراتهم , الدولة القائدة , وفي ميدان السلام والتعاون العربي بين دول العالم الدولة الرائدة وتحملت قيادتها الحكيمة مسئولية مصيرية تتعلق بمواجهة المخاطر التي تحاك للأمة العربية والإسلامية , ومصر بذلك تؤرخ لدور عالمي وليس إقليميا لأنها تواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة الإرهاب والتطرف لحماية الإنسانية جمعاء , وقيامها بذلك الدور إعمال للمادة الأولى من الدستور المصري الذى نص على أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ومصر جزء من العالم الإسلامي تنتمى إلى القارة الأفريقية وتعتز بامتدادها الأسيوي وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية .
وختاما , فإن مثل تلك المسابقة العالمية التي تجريها وزارة الأوقاف من شأنها أن تثبت للعالم الوجه الحضاري لدور مصر في مجابهة ظاهرة العنف والتطرف وتقويمها من خلال منظومة الإسلام العقائدية والفكرية والأخلاقية التي ترتكز إلى القرآن الكريم ومعانيه في الخير والسلام , وهى أساليب وطرق تجمع ولا تفرق , تبشر ولا تنفر , تصلح ولا تفسد , تيسر ولا تعسر , تصون ولا تبدد .