قافلة علماء الأوقاف بالوراق تؤكد:
البر والوفاء من أخلاق الإسلام والتمسك بهما سبيل
من سبل تغيير سلوكيات المجتمع إلى الأفضل
بتوجيهات من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف وجه رئيس القطاع الديني فضيلة الشيخ/ جابر طايع يوسف بتسيير قافلة دعوية لجزيرة الوراق اليوم الجمعة 13/ 3/ 2018، وقد واصلت القافلة عطاءها الدعوي بالمساجد الكبرى بجزيرة الوراق بمديرية أوقاف الجيزة ، حيث قام أعضاء القافلة بإلقاء خطبة الجمعة الموحدة بالمساجد الكبر ى بجزيرة الوراق تحت عنوان ” البر والوفاء ” .
فمن على منبر مسجد الأمين أكد فضيلة الدكتور / محمد عزت مدير عام شئون القرآن الكريم أن البر والوفاء من القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة المثلى التي تورث الطمأنينة والثقة في نفوس الأفراد ، وتؤكد أواصر المحبة والتعاون في المجتمعات ، فالبر : اسم جامع لكل خصال الخير ، ولكل فعل مَرضِيٍّ عند الله وعند الناس ، وجماع ذلك كله في حسن الخلق ؛ لذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ) ، كما أن الوفاء والاعتراف بالفضل والجميل لأهل الفضل خلق أصيل لا يتحلى به إلا النبلاء ، وواجب جليل لا يتخلق به إلا العظماء .
كما أشار فضيلته إلى أن أنبياء الله ورسله (عليهم السلام) كان لهم الحظ الأوفر من البر والوفاء ، وفي مقدمتهم نبي الله إبراهيم (عليه السلام) الذي امتدحه القرآن قائلًا: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}، وقال في شأن سيدنا يحي (عليه السلام) : { وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا }.
ومن فوق منبر مسجد الصحابة أشار فضيلة الدكتور/ عبد الخالق صلاح إمام مسجد الفتح برمسيس إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ضرب أروع الأمثلة للبر والوفاء في مختلف صوره ، ومن ذلك: برّه (صلى الله عليه وسلم) ووفاؤه للسيدة خديجة (رضي الله عنها) ، حتى أن أهل السير سمّوا العام الذي توفي فيه عمه وزوجه خديجة (رضي الله عنها) بعام الحزن، وظل النبي (صلى الله عليه وسلم) وفيًّا لذكراها ، لا يسأم ولا يمل من الحديث عنها ، والثناء عليها ، والاستغفار لها ، وإكرام صديقاتها ، قالت عائشة (رضي الله عنها) : جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (مَنْ أَنْتِ؟) قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ قَالَ: (بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟) قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ قَالَ: (إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ) .
ومن على منبر المسجد الكبير أكد فضيلة الدكتور/ على الله الجمال إمام مسجد السيدة نفيسة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى الأمة كلها بأصحابه ، ونهى عن سبهم وإيذائهم ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : (اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ ، وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ).
ومن المواقف الخالدة الدالة على صدق وفائه (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: حينما وقف (صلى الله عليه وسلم) يطيب خاطر الأنصار بعد قسمة الغنائم في حنين قائلًا لهم: (…أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ…..أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا ، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ ، اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ) ، فَبَكَى الْقَوْمُ، حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ قِسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
ومن فوق منبر مسجد الإيمان أشار فضيلة الشيخ / أحمد البهي إمام مسجد السيدة زينب إلى بر النبي (صلى الله عليه وسلم) بوطنه ووفائه له ، فها هو (صلى الله عليه وسلم) على الرغم من إيذاء أهل مكة وتكذيبهم له إلا أنه يقف ليلة الهجرة، وينظر إليها ويقول: (إِنَّكِ لأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، ولولاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)، وبعد الهجرة يدعو (صلى الله عليه وسلم) للمدينة، ويقول: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ) ، ولا شك أن الوفاء والإخلاص للوطن من شيم النبلاء والعظماء ، يقول الأصمعي: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكائه على ما مضى من زمانه. ولله درّ القائل:
إن الوفاء على الكريــم فريضـة
واللؤم مقــرون بـذي الإخــلاف
وترى الكـريم لمن يعاشر منصفًا
وترى اللئيـم مجانـب الإنصـاف
ومن فوق مسجد المدينة المنورة بجزيرة الوراق أكد فضيلة الشيخ / أحمد عبد السعيد محمد محمود إمام وخطيب بمديرية أوقاف الجيزة على أن من أرقى وأنقى صور البرّ والوفاء : البرّ بالوالدين ، والوفاء لهما ، وإن الشرائع السماوية كلها دعت إلى بر الوالدين والوفاء بحقهما ، وإن الله (عز وجل) أمرنا أن نقتدي برسله الكرام ، فقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، ولقد كان رسل الله جميعًا في غاية البر مع آبائهم ، فهذا نوح (عليه السلام) دعا ربه : {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} ، وإبراهيم (عليه السلام) دعا قائلًا: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ*رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} ، وقال في شأن برّ إسماعيل (عليه السلام) بأبيه: { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ، وعن برّ نبيه عيسى (عليه السلام) بأمه قال تعالى: { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} .
بل وأمر الله (عز وجل) الناس عامة ببر الوالدين فقال سبحانه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، والمتدبر في هذه الآية الكريمة يرى لفتة إنسانية واجتماعية تميز بها الإسلام في حديثه عن بر الوالدين ، في قوله تعالى { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا}، ففيها ما يُشعر بضرورة أن يكون الوالدان في كنف أبنائهم ، وتحت عنايتهم عند الكبر ، لا سيما وأن تلك المرحلة إنما هي مرحلة الضعف التي يحتاج الإنسان فيها إلى عظيم عناية ورعاية .
فلنكن بارين بآبائنا وأمهاتنا ، أوفياء لهما ، وما أحرانا أن نكون أوفياء لديننا ، ووطننا ، وأمتنا ، ولمن يبذلون أرواحهم فداءً للدين والأرض والعرض من أبناء قواتنا المسلحة البواسل ، ورجال الشرطة الشرفاء .