دلالات نجاح مؤتمر “صناعة الإرهاب” بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو اتحاد كُتَّاب مصر
أنْ يُعقد مؤتمرٌ كبيرٌ أمر قد يكون يسيرًا.. أنْ يُحشد لمؤتمرٍ مِن كل مكان أمر ممكن.. أنْ ينجح مؤتمر نجاحًا شكليًّا ويُحدث صدى إعلاميًّا أمر وارد ويحدث كثيرًا في مجتمعاتنا العربية.. أما أنْ يحقق مؤتمرٌ المرامي والأهدافَ الاستراتيجيةَ والآمالَ المعقودةَ عليه عمليًّا وتطبيقيًّا على أرض الواقع، ويضرب عشرات العصافير -إن جاز التعبير- بحجر واحد أمر في منتهى الصعوبة، ويحتاج من القائمين عليه احترافية كبيرة وذكاءً موسوعيًّا
شاركتُ في المؤتمر الثامن والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي عقد تحت عنوان: صناعة الإرهاب ومخاطره وحتمية المواجهة وآلياتها خلال الفترة من 26-27 فبراير 2018م بمدينة القاهرة، ولاحظت ترتيبًا وإعدادًا دقيقًا يليق بمكانة مصر، وخرجت الجلسة الافتتاحية بشكل بروفيشينال ، الأمر الذي حدا بالمشاركين أن يقرروا أن مصر أم الدنيا ستظل هي الكبيرة والحكيمة والعظيمة.. وتحدثتُ في إحدى الجلسات ودارت حول (المخاطر الاقتصادية للإرهاب) وهي من أهم القضايا المطروحة؛ نظرًا لخطورتها المباشرة على الوطن والموطن.
وأعتقد مع غيري أن ما حققه مؤتمر صناعة الإرهاب من نجاحات لمصر على أرض الواقع (محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا) يفوق بكثير عدة مؤتمرات كبرى، فقدرة الوزارة على حشد العلماء والوزراء والمفتين والمفكرين من كل مكان وفي وقت قصير كانت واضحة، ودلالة التوقيت كانت أوضح؛ إذ قدَّم المؤتمر وعلماؤه دعمًا معنويًّا مهمًّا للجنود والضباط المرابطين في حربهم على الإرهاب في سيناء للقضاء على هذا السرطان الخبيث في هذه البقعة الغالية التي أُريد لها أن تكون خندقًا عالميًّا للإرهاب.. ولكن هيهات هيهات. ودلالة المكان كانت حاضرة حيث انعقد المؤتمر في أحد الفنادق الكبرى التي تقع في قلب النيل، وكأن مصر تُشهِد العالم على حقوقها التاريخية في مياه النيل، وأنها لم ولن تفرط في قطرة منه. ودلالة التجوال الحر للمشاركين في شوارع القاهرة وزيارة عدد من آثارها ومزاراتها بكل حرية وأمان كانت أكثر وضوحًا للعالم، وكشفت الوجوه القبيحة لأعداء الوطن ومروجي الإشاعات المغرضة التي تستهدف إخافة المستثمرين وتعطيل الاستثمار، وتعطيل السياحة في مصر، وإصابة الاقتصاد الوطني في مقتل، وتركيع البلاد التي لن تركع أبدًا أبدًا إلا لله
لقد استطاع مؤتمر صناعة الإرهاب أن يكسر حاجزَ الخوف العالمي تجاه مصر، وتدمير الصورة الذهنية التي روجها المغرضون عن مصر لدرجة أن ممثل الوفد السويدي د. عبد الرؤوف المهري -مثلا- وهو يتحدث إلينا قال: لقد كنتُ خائفًا جدًّا جدًّا من رحلتي إلى مصر.. وشعرتُ أنها قد تكون النهاية، فقد لا أعود إلى السويد مرة ثانية.. لقد رسَّخ الإعلام في أذهاننا أن مصر تسودها الفوضى والعنف والقتل والتدمير، واستطرد: والآن انكشف الكذب والخداع، وظهر المستور.. فمصر بلد الأمن والأمان
مطالبًا بأعمال ممثالة وزيارات لمصريين يجوبون الخارج، يشرحون الوضع، ويوضحون قضية أمن مصر وأمانها، ووفود أجنبية تنزل إلى الشارع المصري وترى بأعينها حقيقة الوضع .. نعم مصر بلد الأمن والأمان.. فصدق الله الذي قال: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، وكذَب الأعداء
انتهى المؤتمر ولكن لم ينته كأي مؤتمر؛ فقد عاد المشاكون إلى بلادهم وهم يحملون في عقولهم وقلوبهم ووجدانهم حبًّا كبيرًا لمصر، وإيمانًا راسخًا بقضاياها، وحقائق في مواجهة ما زوَّره الأعداء.. عادوا إلى بلادهم لينيروا بصائرَ الآخرين وأبصارَهم في قضايا كثيرة، ومن بينها أمن مصر وأمانها الذي تكفل به الله تعالى؛ لتعود السياحةُ قريبًا إلى سابق عهدها، بإذن الله تعالى
ويبقى مؤتمر صناعة الإرهاب ومخاطره وحتمية المواجهة وآلياتها نقطة تحول حقيقية في إحداث حراك دبلوماسي وقوة ناعمة، وحراك إعلامي إقليمي وعالمي، وحراك سياحي، واستثماري واقتصادي من أجل مصر، فضلا عن الحراك الفكري وحشد الرأي العام على مستوى واسع؛ لتدويل قضية صناعة الإرهاب وفضح صُنَّاعِها، وأنها لم تعد قضية فكرية فقط؛ بل أمست صناعة يتقنها بعض المنظمات وبعض الدول، وكشف عوراتها للعالم، وإعطاء رسالة سلام للعالم من أرض الإسلام والسلام. كما نبه المؤتمر إلى ضرورة تضييق الخناق العالمي جدًّا على الإرهابيين ماديًّا وتمويليًّا وتكنولوجيًّا وهو الأهم؛ لقطع سبل الوصال والتواصل بينهم وبين المنظمات الممولة والداعمة والموجِهة لهم
وهكذا تظل قضية الدولة الوطنية وأن مقاصد الأديان لا تنفك عن مصالح الأوطان، وقضية مواجهة الشائعات، وأن مصر فعلا تواجه بمفردها حربًا شرسة على الإرهاب نيابة عن العالم، وخلق بيئة عالمية لافظة للإرهاب من القضايا المركزية التي ركز عليها مؤتمر صناعة الإرهاب
ويبقى تنفيذ توصيات المؤتمر، وتحويلها إلى برامج عملية وتطبيقية لنشر ثقافة مواجهة الإرهاب في كل مكان، ويشترك في تنفيذها كل مؤسسات المجتمع وليس الأوقاف وحدها، هي المحك الحقيقي لاستكمال نجاح هذه التظاهرة الكبيرة التي نفذتها وزارة الأوقاف بمنتهى الاحتراف
فتحية تقدير لمعالي وزير الأوقاف أ.د/ محمَّد مُختار جُمعة، ولرجاله الأبطال في الوزارة والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على جهودهم المتميزة من أجل الوطن والعالم
وبالله تعالى التوفيق