*:*الأخبارأخبار الأوقاف2

” مكافحة غسيل أموال الإرهابيين ”
يسرنا أن ننشر ورقة العمل المقدمة
من الفقيه المستشار الدكتور

محمد عبد الوهاب خفاجي

نائب رئيس مجلس الدولة للمؤتمر الدولي

الثامن والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية

صناعة الإرهاب وحتمية المواجهة وآلياتها

في الفترة من 26- 27 فبراير 2018م

       تحت عنوان :

” مكافحة غسيل أموال الإرهابيين بين

المشرعين الدولي والعربي من أهم سبل المواجهة”

   إن الإرهاب آفة عالمية انتشرت في الآونة الأخيرة على معظم دول العالم وتركزت آثارها في بعض الدول , ولا أحد ينكر أن هذه الظاهرة في تزايد ولم تفلح جهود المجتمع الدولي عامة من تخفيف آثارها إلى الحد المأمول للشعوب للتمتع بالحياة الآمنة وهي على قمة الحقوق الدستورية العالمية , ولحماية الأمة العربية من مخاطر الإرهاب ومصر في قلبها النابض يجب الحفاظ على البيت العربي آمنًا , وعندما يشتد بنا الكرب نعود لقواعد القانون فهو هندسة الحياة القادر على المساهمة في حصار هذا العنف الإرهابي بين المشرعين الدولي والعربي من أهم سبل المواجهة.

  وبالنسبة للاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب الموقعة في نيويورك 10 يناير 2000 , فقد صدقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم 426 لسنة 2004 بشأن الموافقة على هذه الاتفاقية , وقد تحفظت مصر على هذه الاتفاقية بموجب مسئوليتها التاريخية للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني وصدر به إعلان تفسيري قوامه أنه ” مع مراعاة مبادئ وقواعد القانون الدولي العام وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة , لا تعتبر جمهورية مصر العربية أعمال المقاومة الوطنية بكافة صورها بما فيها المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرير وتقرير المصير من الأعمال الإرهابية”.

  وهناك العديد من الاتفاقيات الدولية بدأت في البحر ثم انتقلت لليابسة ، فهناك اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لعام 1988 وتجرم أي شخص يقوم بصورة غير مشروعة وعن عمد بالاستيلاء أو فرض السيطرة على سفينة بالقوة أو التهديد أو الترهيب , والقيام بعمل من أعمال العنف ضد شخص على متن سفينة إذا كان هذا العمل من شأنه أن يعرض للخطر الملاحة الآمنة للسفينة ، وهناك البروتوكول الملحق باتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لعام 2005 ويجرم استخدام سفينة كوسيلة للقيام بعمل إرهابي أو النقل على متن سفينة لمواد مختلفة وهو يعلم أنها ستستخدم للتسبب أو للتهديد بالتسبب بالموت أو الأذى الجسيم أو الضرر للقيام بعمل إرهابي , وهناك بروتوكول قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنصات الثابتة القائمة في الجرف القاري لعام 1988 , والبروتوكول الملحق به عام 2005 ، وهناك اتفاقية تمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها لعام 1991 ، والاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لعام 1997 ، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999 وغيرها.

  وواقع الأمر أن الإرهاب اليوم أصبح خطرًا استراتيجيًّا يهدد دول العالم المتقدم والنامي وهو ما يلقى بظلاله الكثيفة على إعاقة التنمية في كثير من الدول خاصة دول المقصد في الإرهاب الناجم عن إرهاب دول المنشأ وبمساعدة دول المعبر , وأرى أن غياب استراتيجية موحدة دوليًّا أو خارطة طريق دولية لمكافحة الإرهاب زاد من الأزمة وتفاقمها , ومن بين العوامل المعوقة في عدم القضاء على الإرهاب غياب مفهوم موحد ودقيق عن الإرهاب ، فكل دولة لها منظور مغاير عن الأخرى في مفهوم إرهاب الدولة ، فضلاً عن أن غموض هذا المفهوم يحد بلا شك من فاعلية مكافحة الإرهاب مما يقتضي توحيد الجهود الدولية حول هذا المفهوم ثم التعاون فيما بينها على هذا الأساس.

   ونظرًا لأن الإرهاب لا دين له ولا وطن فقد عنيت الدول العربية بسبل مكافحة الإرهاب وأبرمت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في اجتماع مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب الذي انعقد في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة بتاريخ 22 إبريل 1998 , وتناولت الاتفاقية بالتنظيم أسس التعاون العربي في محاربة ظاهرة الإرهاب , فشملت في المجال الأمني العديد من التدابير لمنع الجرائم الإرهابية ومكافحتها , وتضمنت تلك المعاهدة تعهد الدول المتعاقدة عدم تنظيم الأعمال الإرهابية أو تمويلها , أو ارتكابها أو الاشتراك فيها , بالإضافة إلى القبض على مرتكبي الجرائم الإرهابية ومحاكمتهم وفق القانون الوطني أو تسليمهم وتأمين حماية العاملين في ميدان العدالة الجنائية والشهود .

   وقد طالب البرلمان العربي بجلسته المنعقدة الأربعاء 5 يوليو 2017 بمراجعة الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب من خلال مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب بما يتناسب مع التطورات الراهنة على الساحة العربية منوها على أن الأمة العربية كان لها النصيب الأوفر من ظهور وانتشار المنظمات والكيانات الإرهابية , وذكر البرلمان العربي أن وفقًا لمستجدات الأمن القومي العربي يتعين تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب من خلال الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ، كما أن البرلمان العربي أعطى مفهومًا عميقًا بتعريف الإرهابي بأنه ليس فقط من يحمل السلاح ، وإنما من يمول ويدرب ويسلح ويأوي ، بل ويعالج المصابين منهم ويقدم كل المساندة السياسية والإعلامية لهم .

    إن الاتفاقية العربية لمكافحة غسيل وتمويل الإرهاب حررت بمدينة القاهرة في 21 ديسمبر 2010م ودخلت حيز النفاذ في 5 أكتوبر 2013م ووقعت عليها بذات تاريخ تحريرها 22 دولة على قمتهم مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين بينما صدقت عليها دولة الإمارات في 21 سبتمبر 2012م ، ودولة السعودية في 24 يونيه 2012م ، ومصر 5 مارس 2014م ، وجاء في الديباجة أن الدول العربية الموقعة على الاتفاقية تدرك خطورة ما ينتج عن أفعال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من مشاكل ومخاطر تقوض خطط التنمية الاقتصادية وتعرقل جهود الاستثمار ، مما يهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني ، وقد تضمنت المادة الثالثة عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى ، وتضمن الباب الثالث من الاتفاقية تجريم غسيل وتمويل الإرهاب ، وتضمنت المادة الحادية عشرة تقرير مسئولية الأشخاص الاعتباريين إذا ارتكبت تلك الجريمة .

  ومن الجدير بالذكر أن المادة الثانية عشرة تعرضت للولاية القضائية بأن تتخذ كل دولة طرف وفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني ما يلزم من تدابير تشريعية لكي تخضع لولايتها القضائية جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب أو الاشتراك فيها أو التحريض عليها أو المحاولة أو الشروع في ارتكابها وذلك في حالتين ، الأولى عندما ترتكب هذه الأفعال خارج إقليمها إضرارًا بمصالحها ، والثانية عندما يكون الجاني موجودًا على إقليمها ولا تقوم بتسليمه لكونه أحد مواطنيها .

  وغني عن البيان بموجب المادة الخامسة من اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية وملحقها العسكري تؤلف لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع وتهيئة وسائله وأساليبه ، وتحدد في ملحق هذه المعاهدة اختصاصات هذه اللجنة الدائمة بما في ذلك وضع التقارير اللازمة المتضمنة عناصر التعاون والاشتراك المشار إليها في المادة الرابعة ، وترفع هذه اللجنة الدائمة بما في ذلك وضع التقارير اللازمة المتضمنة عناصر التعاون ، والاشتراك المشار إليه في المادة الرابعة ، وترفع هذه اللجنة الدائمة تقاريرها عما يدخل في دائرة أعمالها إلى مجلس الدفاع المشترك المنصوص عنه في المادة الثانية كما تضمن البروتوكول الإضافي لتلك المعاهدة على أن تؤلف هيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان جيوش الدول المتعاقدة للإشراف على اللجنة العسكرية المشار إليها لتوجيهها في جميع اختصاصاتها وترفع تقاريرها ومقترحاتها عن جميع وظائفها إلى مجلس الدفاع المشترك للنظر فيها وإقرار ما يقتضي الحال الإقرار به ، ونظرًا لأن ظاهرة الإرهاب في المنطقة العربية باتت تهدد الأمن القومي العربي ويهدد سلامة وأمن واستقرار الدول العربية ، ونرى أنه يجب العمل على تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ومطلوب تأسيس محكمة عسكرية عربية للنظر في جرائم الإرهاب بالنسبة لأية دولة تدعم الإرهاب وتموله من أجل صيانة الأمن القومي العربي .

   وفي الختام فإن المادة الأولى من اتفاقية الدفاع العربي المشترك تنص على أنه تؤكد الدول المتعاقدة حرصًا على دوام الأمن والسلام واستقراهما وعزمها على فض جميع منازعاتها الدولية بالطرق السلمية ، سواء في علاقاتها المتبادلة فيما بينهما أو في علاقاتها مع الدول الأخرى , فهذا النص يقتصر فحسب على المنازعات الدولية ويخرج منها جرائم الإرهاب الدولي ، ولا يسري على حالات الإرهاب الدولي بالنسبة لدولة المنشأ الإرهابي أو دولة العبور الإرهابي حماية لدولة المقصد التي ينفذ الإرهاب على أراضيها , ومن ثم فإن نص المادة الأولى من تلك الاتفاقية لا يمثل ثمة عثرة قانونية في سبيل مضي الدول العربية في تأسيس محكمة عسكرية للنظر في جرائم تدعيم الإرهاب وتمويله بحسبان أن دعم الإرهاب وتمويله لا يمثل في مفهوم اتفاقية الدفاع العربي المشترك منازعة دولية يمكن فضها والأصح أنها جريمة دولية في أبشع صورها يتعين محاكمة مرتكبيها طبقًا لقواعد القانون الدولي وأعرافه.

 

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى