مقال لمعالي وزير الأوقاف بعنوان: دور الثقافة فى بناء الفرد والمجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم
أ . د / محمد مختار جمعة مبروك
وزير الأوقاف
دور الثقافة فى بناء الفرد والمجتمع
لاشك أن الإنسان يتحرك في الحياة من منطلق خبرته وثقافته ،وأن ثقافة الإنسان تؤثر تأثيراً بالغاً في ضبط سلوكه وتصرفاته ، وعلاقاته الأسرية والمجتمعية والإنسانية، ومستوي أدائه لعمله وإتقانه له، ودرجة وطنيته ، وإحساسه بالمخاطر التي تحيط بوطنه، وأثر العلاقات والتوازنات الدولية على المصالح الوطنية ، ومدي تأثره بها وتأثيره فيها، وكذلك مستوى علاقته وتعايشه مع الآخرين .
ومن هنا لم يعد الاهتمام بالثقافة والتكوين الثقافي للفرد والمجتمع ترفاً أو أمراً ثانوياً أو من نافلة القول أو العمل، إنما هو أمر في صميم المصلحة الوطنية ، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن المصلحة الوطنية لا يتم تحققها الكامل دون إطار أو وعاء ثقافي مدروس ومتكامل .
ونؤكد أن مؤسسات عديدة تسهم في هذا التكوين ، من أهمها : الأسرة ، والمدرسة ، والمسجد ، والجامعة ، ومراكز الشباب ، والإعلام مقروءاً ومسموعاً ومرئياً ، وصارت مواقع التواصل الاجتماعي والإلكتروني أحد أهم عوامل وروافد تشكيل الوعي الثقافي للأفراد والمجتمعات .
وبما أن وزارة الأوقاف على وعي بذلك كله فإن دعوتها وقوافلها الدعوية التي تتم بالتنسيق مع الأزهر الشريف ، وتحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر تضع أهمية هذا التنوع نصب أعينها، فتتنوع القوافل والمحاضرات والندوات لتعم المساجد ، والمدارس ، والجامعات، ومراكز الشباب، والتجمعات العمالية، غير أن هذه القوافل لا يمكن أن تؤتي ثمرتها الكاملة والمرجوة إلا بتضافر جهود تلك المؤسسات التى تم ذكرها فى مجال التربية والتثقيف .
التنوع الثقافي في مواجهة الانغلاق :-
ولكي يحدث انفتاح في الأفق الثقافي للفرد والمجتمع فلابد من التنوع في مواجهة الانغلاق وانسداد الأفق والانكفاء على الذات ، وأحادية البعد الثقافي ، بحيث إنك قد تلتقي إنساناً حصل على أعلى الشهادات الجامعية في تخصص نظري أو تطبيقي ومع ذلك تراه ضيق الأفق ، محدود الثقافة ، غير قادر على التواصل الجاد مع المجتمع ، وليست لديه القدرة على تفهم ما لدى الآخر من معطيات وقناعات فكرية أو ثقافية أو وطنية .
ومن هنا تأتي أهمية إعادة النظر في كم ونوعية المكون الثقافي في التعليم الجامعي وقبل الجامعي ، ومدى تنشيط دور مراكز الشباب في الحوار المجتمعي، وأن يعمل الخطاب الدعوى على الإسهام في ذلك بفاعلية كبيرة.
وقد صار لدينا الآن في الأزهر والأوقاف نخبة متميزة من الدعاة الذين يجيد بعضهم لغة أو لغتين إلى جانب إتقانه للعربية ، مما يجعله قادراً لا أقول على التواصل المجتمعي فحسب ، إنما يجعله قادراً على التواصل على مستوى دولي وعالمي ، ومتمكنا من التعامل بفاعلية مع الوسائل العصرية التى تمكنه من فهم الواقع من جهة ، وأداء رسالته بفاعلية واقتدار من جهة أخرى .
الثقافة والقيم :-
إذا كنا على يقين بأن الإفراط شر كله ، وأن التفريط شر كله ، وأن التوازن كل التوازن في الوسطية حيث لا إفراط ولا تفريط ، فإذا كنا ننبذ التشدد والتطرف والغلو فبنفس القدر ينبغي أن ننبذ كل مظاهر التحلل والانحراف عن طريق الجادة ، فإنك لن تستطيع أن تقتلع التشدد من جذوره إلا إذا عملت بالقدر نفسه على القضاء على التحلل والانحراف وكل ما يمكن أن يمس القيم الراسخة للمجتمع ، فكما يقول علماء النفس لكل فعل رد فعل مساو له في النسبة ومعاكس له في الاتجاه ، ويقولون لكل شيء طرفان ووسط فإن أنت أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر ، وإن أنت أمسكت بالوسط استقام لكَ الطرفان ، ولذا قال الإمام الأوزاعي ( رحمه الله ) ما أمر الله عز وجل في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى الجهتين لا يبالى أيهما أصاب الافراط أو التفريط، فنحن مع التيسير لا مع التسيب ، ومع السماحة لا التفريط، ومع الالتزام الديني والقيمى والأخلاقي دون أي تشدد أو تطرف أو جمود أو انغلاق ، فبين التشدد والالتزام خيط جد دقيق ، وبين التيسير والتسيب خيط جد دقيق ، والعاقل من يدرك هذه الفروق الدقيقة ، ويقف عند حدودها فاقهاً لها متعاملا ً معها فاقها لها، غير غافل عنها ، وقد قيل لسيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) : حب التناهي شطط خير الأمور الوسط ، هل تجد هذا المعنى في كتاب الله عز وجل قال نعم في عدة مواضع ، منها قوله تعالى : ” وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً “، وقوله تعالى : ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ” .
نسأل الله أن يهدينا إلى سواء السبيل وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا ، إنه ولى ذلك والقادر عليه.