صدر اليوم السبت 6 / 1 / 2018م كتاب : ” نحو خطاب عقلاني رشيد ” لمعالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة , وقريبًا بمشيئة الله تعالى في منافذ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وفي معرض الكتاب بالقاهرة إن شاء الله تعالى , ومما جاء في مقدمة الكتاب :
نحن في حاجة أن نفكر ونفكر ، ثم نفكر ونفكر ، وأن نتأمل ونتدبر، فالتفكير فريضة دينية حيث يقول الحق سبحانه :{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}(الحشر : 2) ، ويقول سبحانه: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(الحج : 46) ، ويقول سبحانه : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}(الأنعام : 11) ، ويقول سبحانه:{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}(الأعراف: 184) ، ويقول سبحانه :{ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}(يونس :101) .
ولما نزل قول الله تعالى:{إِنََّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِل النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}( آل عمران : 190-192) قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ) (رواه ابن حبان في صحيحه).
وما أضاع أمتنـا وأدى إلى ترهـل ثقافتنـا سوى العقـول الاستسلامية أو الجامدة ، وغلبة العقلية المجترّة المعتمدة على مجرد التلقين والحفظ على العقلية المفكرة المبدعة أو الناقدة ، حتى صار الحذر من الجديد آفة ربما يمكن أن نطلق عليها ( التجديد فوبيا ) ، وليس ذلك وليد اليوم ، فقضية الصراع بين التعصب القديم والإيمان بالتجديد متعمقة في التاريخ الثقافي ، فقد روي أن رجلاً أنشد الأصمعي قوله :
هل إلــى نظــــرةٍ إليــــكِ سبيــــــــــــــلُ |
فيُروى الصَّــدَى ويشفـــــى الغليـــــــــــلُ |
إن ما قـــلَّ منــــــــك يكثُــــرُ عنــــــــدي |
وكثيـــــرٌ ممــــــــــا تُحِــــــــبُّ القليــــــــلُ |
فقال الأصمعي : إن هذا لهو الديباج الخسرواني , أي الشعر الجيد الذي يمتدح ويشاد به , ثم استرسل الأصمعي : لمن تنشدني , فقال الشاعر : إنهما من شعره أنشدهما لليلته , وهنا غير الأصمعي رأيه على الفور قائلا : إن أثر التكلف عليهما لبيّن , وما ذاك إلا لعصبيته للقديم دون سواه بغض النظر عن الجودة وعدمها .
إننا لفي حاجة إلى خطاب عقلاني رشيد في الفكر الديني والمجال الثقافي والعلمي والتربوي لنكسر حالة الجمود الكامنة داخل نفوس كثيرين ، وننطلق معًا إلى فضاء أرحب وأوسع من العلم والفكر والتأمل والتدبر ، والاجتهاد والنظر ، دون خوف ولا وجل ، وبلا أدنى توجُّس أو تـردُّد ، طالمـا أننا نعرف غايتنـا ، ونحافـظ على ثوابتنـا الشـرعية وقيمنا المجتمعية دون إفراط أو تفريط .
الخطاب العقلي الرشيد هو الذي يحترم عقلية المخاطب ، ويتخير من الخطاب ما يرى أن المتلقي قادر على استيعابه فهمًا ولغة ، وقد روي أن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان يقول : ” حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؟ وقد قالوا : ليس كل ما يُعلم يقال ، وكان الشافعي رحمه الله يقول :
فــــــــإن يسَّــــر الله الكريــــم بفضلـــــــــه |
وقابلــــــتُ أهـلا للعلــــــوم ولِلْحِكَـــــــــمْ |
بثثـت علومـي واستفــــــدت وِدادهـــــم |
وإلا فمخـــــزون لـــــــــديَّ ومُكتَـتَـــــــــمْ |
فمن منح الجهــــال علمـــا أضاعـــــــــــه |
ومن منع المستوجبيــــن فقـد ظَلَــــــــــمْ |
ويجب أن نتخلص جميعًا وسريعًا من العصبيات الفكرية والمذهبية والطائفية والأيدلوجية، وأن نتحلى باحترام نتاج عقل الآخر والمختلف، وقد كان الشافعي (رحمه الله تعالى) يقول : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ، بل إن الصواب في بعض المسائل قد يتعدد ، فيكون كلا الرأيين صوابًا غير أن أحدهما قد يكون راجحًا والآخر مرجوحًا ولو باعتبار الزمان أو المكان أو الحال ، فما يكون راجحًا في زمان قد يصبح مرجوحًا في زمان آخر ، وما يكون راجحًا بالنظر إلى طبيعة البيئة والمكان قد يكون مرجوحًا في مكان آخر أو بيئة أخرى ، وعلينا أن ندرك أن الأقوال الراجحة ليست معصومة ، وأن الأقوال المرجوحة ليست مهدومة ، طالما أن لصاحبها حظًّا من الاجتهاد والنظر والدليل أو الرأي المعتبر .