خطبة الجمعة 27 من ذي الحجة 1434هـ الموافق 1 من نوفمبر 2013م بعنوان…
بسم الله الرحمن الرحيم
نحو عام جديد من العمل والإنتاج
أ . د / محمد مختار جمعة مبروك
وزير الأوقاف
لاشك أن كل يوم يمر على الإنسان هو جزء من حياته سيكون شاهداً له أو عليه ، فما من يوم إلا وينادى يا بن أدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمنى فإن غابت شمس لن تدركني إلى يوم القيامة ، فالإنسان بين أجلين أجل قد مضى لا يدرى ما الله فاعل فيه ، وأجل باق لا يدرى ما الله قاض فيه ، فالعاقل من يأخذ من شبابه لشيبته ، ومن صحته لسقمه ، ومن دنياه لآخرته .
ولا شك أيضا أن كل يوم يمر على أي أمة من الأمم هو جزء من تاريخها ، لها أو عليها ، إما أن يأخذ بها إلى الأمام خطوة ، أو إلى الخلف خطوات ، والأمم الراقية تدرك أن أهم قيمة تملكها هي قيمة الوقت ، وأن تأخر ساعة أو لحظة في اتخاذ قرار أو موقف قد يغير تاريخ أمة ، وأن ما يمضى من الأوقات لا يمكن استدراكه بالدنيا وما فيها ، بل قد يصعب أو يشق معالجة ما ينجم عن آثار التراخي والتهاون وعدم الإحساس بقيمة الوقت ، والقيمة الحقيقية للوقت مهما تحدثنا عنها لا يدرك قيمتها حق الإدراك وبخاصة في مجال التطبيق لا التنظير إلا الأمم الراقية التي تكون في مقدمة وقيادة ركب التقدم والازدهار ، فهي التي لا تقيس أزمنتها بالسنين أو الشهور أو الأيام أو الساعات أو الدقائق فحسب ، بل إنها تلك الأمم التي تقيس أزمنتها بالثواني وما يتجزأ منها أو يتفرع عنها ، لأنها تدرك أن الجزء الواحد من مئات الأجزاء من الثانية له قيمته وتقديره وأهميته ، ومن هنا نهضت هذه الأمم وتقدمت .
ولقد لفت القرآن الكريم نظرنا إلى قيمة الزمن ، فقال سبحانه : ” وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ” .
ولقيمة الزمن أقسم رب العزة به في أكثر من موضع من كتابه الكريم ” وَالْفَجْرِ ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ ” ، ” وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ” ، ” وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وشبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه ” رواه الترمذي وابن حبان .
غير أن الأمر يحتاج إلى عزيمة أشد ، وهمة أعلى ، وحسن تقدير للمسئولية ، ولقيمة الزمن ، ويصبح الأمر أكثر إلحاحا عند الأمم المتعثرة ، التي تريد أن تنهض من كبوتها وأن تفيق من سباتها ، وأن تأخذ بأسباب العزة والمنعة والقوة مصداقا لقول ربنا عز وجل : ” وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ” ، وقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ” .
ولا شك أن الاقتصاد في عصرنا الحديث أحد أهم دعائم القوة وأشد أركانها ، وحتى من يجعل القوة العسكرية في مقدمة الموازين فإنها لا تتحقق ولا يمكن أن تتحقق لا هي ولا أي قوة أخرى فكرية أو ثقافية أو تكنولوجية أو معلوماتية إلا في ضوء قوة اقتصادية عملاقة تسهم في نجاح ذلك كله ، ولن تتحقق لا هذه القوة الاقتصادية ولا غيرها من القوى إلا بالعمل والعرق ، والجد والتعب والنصب ، وهنا يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من بات كالا ً – أي متعبا – من عمل يده بات مغفور له ” ولما أمسك (صلى الله عليه وسلم) بيد أحد أصحابه فوجدها خشنة من أثر العمل قال (صلى الله عليه وسلم) هذه يد يحبها الله ورسوله ” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) ” خيركم من يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده، والحديث هنا يشمل كل عمل يقوم به الإنسان يعف به نفسه وأهله عن الحرام ، يستغنى به عن ذل السؤال ويسهم في نهضة وطنه ورقيه ، وسد جميع احتياجاته ، فسد جميع حاجات الأوطان مما يحتاج إليه أبناؤه من طعام وغذاء ، وملبس ومسكن ، وسلاح وعتاد ، كل ذلك من فروض الكفايات التي إذا قام بها بعض أبناء الوطن سقط الإثم عن الباقين إلا من قصر في واجبه وحق نفسه أو حق ربه ، أما إذا لم يقم به أحد أثموا جميعا ، وكان على المخلصين الصادقين أن ينهضوا فرادى ومجتمعين لسد هذه الاحتياجات ، حتى يرفعوا الحرج عن أبناء الوطن جميعا ، ويحظوا هم بفضل الله ورضاه .
غير أننا نحتاج إلى نقطة البداية والانطلاق ، وألا يكون حبنا لديننا أو وطننا حباً أجوف ، حب أخذ لا حب عطاء ، ولا حتى تبادل حقوق وواجبات ، إننا نريد أن نتجاوز هذه المراحل من ادعاء حب الأوطان إلى حب حقيقي يقوم على التضحية في سبيل الوطن ، والعمل لأجل إنقاذه من كبواته وعثراته ، سعياً إلي تقدمه ورقيه ، وأن يبدأ كل منا بنفسه ، ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يكونن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساء ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم “ وبخاصة أن حق الدين وحق الوطن يدفعان إلي العمل لا إلى الكسل ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها ” وقد مر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على رجل فرأى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من جلده ونشاطه ، فقالوا : يا رسول الله : لو كان هذا في سبيل الله ؟ ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ” إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ”
على أن الإسلام لا يطلب مجرد العمل ، إنما يطلب إتقانه ، يقول الحق سبحانه لسيدنا داود عليه السلام ” أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ” ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ” .
وبما أن مصر هي القلب النابض للعروبة والإسلام ، وأنها درع الأمة وسيفها ، فالعمل على رقيها ونهضتها، ووفاؤنا بحقها هو جزء من صلب عقيدتنا ودلائل وعلامات وطنيتنا ، ومن هنا كان دعم المنتج الوطني بيعاً وشراءً وتسويقاً متى توفرت له مقومات الجودة التي ندعو إليها ونحث عليها مطلباً وطنياً لا يحيد عنه إلا جاحد لحق الوطن عليه ، ومن وسائل دعم المنتج الوطني في جميع جوانبه ، السفر على شركة الطيران الوطنية ، وتوجيه السياحة هذا العام للسياحة الداخلية بدلاً من السياحة الخارجية دعماً لشريحة واسعة من أبناء هذا الشعب تعمل بهذا القطاع ، ومن وسائل دعم الوطن توجيه الاستثمار إلى الداخل لا إلى الخارج ، والاكتفاء بالأساسيات والضروريات ، وعدم الإسراف في الكماليات والترفيهات .
وإننا على يقين بأنها لمرحلة يسيرة لو صدقت النوايا ، وتضافرت الجهود ، وقدمنا المصلحة العامة على المكاسب الفردية السريعة ابتغاء مرضاة الله تعالي ، ووفاء بحق هذا الوطن الذي أعطانا وما زال يعطينا الكثير من حيث نشعر ومن حيث لا نشعر .