*:*الأخبار

وزير الأوقاف خلال محاضرته لأئمة دورة تجديد الخطاب الديني:
نحن في حاجة إلى التكوين اللغوي والعلمي والمعرفي
والتمكن في اللغة أحد أهم عوامل نجاح الإمام

    ألقى اليوم الثلاثاء الموافق 21 / 11 / 2017م معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة  محاضرة تحت عنوان: “دور اللغة العربية في بناء وتكوين الأئمة علميا ومهاريا وأسلوبيا “بمركز التدريب بالعباسية ، وذلك ضمن فعاليات دورة تجديد الخطاب الديني ” المستوى الخاص المتميز” ،  وذلك بحضور فضيلة الشيخ / جابر طايع رئيس القطاع الديني ، وفضيلة الشيخ / أحمد تركي مدير عام التدريب ، والسادة الأئمة المشاركين  في دورة تجديد الخطاب الديني” المستوى الخاص المتميز “.

وفي بداية المحاضرة أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أن هذه المحاضرة تتناول جانبا هاما بالنسبة للإمام ، لأن الكلمة صناعة والصناعة تحتاج إلى صانع ، وقد قالوا : إن مهمة الخطيب الكلام ومهمة الأديب الكلام ولا يصلح خطيبا جيدا مالم يكن أديبا جيدا ، فخروج الكلمة وفق القواعد اللغوية هي السبب الرئيس لتلقي البيان بالقبول .

كما أشار معاليه خلال المحاضرة إلى بعض الوجوه البلاغية في النصوص القرآنية، وبيان بلاغة المفـردة القـرآنيــة ، موضحًا أن لغة القرآن الكريم تتميز بأن كل لفظة أو مفردة من مفرداتها قد وقعت موقعها ، حيث يقتضي المقام ذكرها دون سواها أو مرادفها ، فإذا جاءت الكلمة معرفة أو نكرة كان لاقتضاء المقام ذلك ، وإذا جاءت مفردة أو جمعًا كان ذلك لغرض يقتضيه السياق ، وقد يؤثِر النص القرآني كلمة على أخرى وهما بمعنى واحد ، ويختار كلمة ويهمل مرادفها الذي يشترك معها في أصل الدلالة ، وما كان للمتروك أن يقوم مقام المذكور أو يدانيه بلاغة لو ذكر مكانه ، ثم ذكر معاليه بعض النماذج على ذلك ، ومنها :

* كلمة ” إصلاح ” في قوله تعالى : ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” ( البقرة : 220).

فلو تأملنا هذه الآية جيدًا ، ونظرنا– على وجه التحديد – في موقع كلمة ” إِصْلَاحٌ ” ، ثم فكرنا في بدائلها اللغوية ومشتقاتها وما يرادفها ، وحاولنا أن نضع أي بديل لغوي – رأسيًا أو أفقيًا – في موضعها لوجدنا أن العربية على عمقها واتساعها عاجزة عن أن توافينا أو تمدنا بكلمة يمكن أن تقوم مقام كلمة ” إِصْلَاحٌ ” في هذا الموضع .

فالإصلاح أمر جامع لما يحتاج إليه اليتيم ، فقد يحتاج إلى المال فيكون الإصلاح برًا وعطاءً ماديًّا ، وقد يحتاج إلى من يتاجر له في ماله أو من يقوم على زراعته أو صناعته فيكون الإصلاح هو القيام بذلك ، وقد لا يحتاج اليتيم إلى المال ، إنما يحتاج إلى التقويم والتربية ، فيكون الإصلاح هنا رعاية وتربية ، وقد لا ينقصه هذا ولا ذلك ، إنما تكون حاجته أشد ما تكون إلى العطف والحنو والإحساس بالأبوة ، فيكون الإصلاح إشباع ذلك عنده.

وقد يكون الإصلاح في تقويم زيغه أو اعوجاجه ، فقد جاء أحد الناس يسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) : ممّ أضرب يتيمي ؟ فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ” مما كنت ضاربا منه ولدك “، فالنبي (صلى الله عليه وسلم ) يطلب من السائل أن يعامل اليتيم معاملة ولده ، فينظر إلى ما يصلحه ويقوّمه ويشد عضده ، ومن هنا تلتقي البلاغة النبوية في إيجازها ووفائها بالمراد مع النص القرآني ، وإن كان الحديث النبوي قد ركز على جانب واحد من جوانب الإصلاح ، وهو التأديب والتقويم ، فإن الإصلاح في النص القرآني هو الكلمة الجامعة لما يحتاج إليه اليتيم وما يصلحه.

   * قوله تعالى : ” وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا” (الزمر :71) حيث جاءت كلمة ” فتحت” غير مسبوقة ولا مقرونة  بالواو ، وقوله تعالى : “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ” ( الزمر : 73) حيث جاءت كلمة ” وَفُتِحَتْ” مسبوقة بالواو  ، فهذه الواو التي جاءت في قوله تعالى : ” وَفُتِحَتْ ”  في الحديث عن أهل الجنة قال بعض العلماء والمفسرين: إنها واو الحال ، والمعنى: جاءوها والحال أنها مفتوحة ، وذلك من زيادة إكرام الله (عز وجل) لعباده المؤمنين أن جعل الجنة مفتحة الأبواب مهيأة لاستقبالهم قبل قدومهم إليها، والحال ليس كذلك مع أهل النار ، بل إن النار تأخذهم بغتة .

وقال بعض المفسرين واللغويين: إن هذه الواو واو الثمانية، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تعد ، فتقول : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، فتأتي بالواو مع العدد الثامن ، وذكروا لذلك شواهد منها قوله تعالى : ” سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ “(الكهف :22) حيث ذكرت الواو مع العدد الثامن ، وقوله تعالى: “التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ” (التوبة:112) حيث ذكرت الواو مع العدد الثامن ، وقوله تعالى : “عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ” (التحريم :5) حيث ذكرت الواو أيضًا مع العدد الثامن ، مع أن الواو في هذه الآية لها معنى آخر وهو إفادة التنويع ، ولا مانع أن يتضمن الحرف أكثر من معنى.

وقـــد ذكـــرت واو الثمــانية في قــوله تعالى : ” وَفُتِحَتْ ” في الحديث عن أهل الجنة دون قوله تعالى : ” فُتِحَتْ ” في الحديث عن أهل النار ، لأنّ أبواب النار سبعة لقوله تعالى في الحديث عنها : ” لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لِكُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُوم “( الحجر : 44 ) ، أما أبواب الجنة فثمانية لقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له ثمانية أبواب يدخل من أيها شاء ” (الترمذي) ، فلما كانت أبواب الجنة ثمانية أُتي معها بالواو ، ولما كانت أبواب جهنم سبعة لم يؤت معها بالواو ، وفي كون أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة ما يدل على أن رحمة الله (عز وجل) أوسع من غضبه ، يقول الحق سبحانه وتعالى : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” (الزمر:53) .

ومن النماذج التي ذكرها معالي الوزير : قوله تعالى على لسان زكريا ( عليه السلام) : ” قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ” (آل عمران:41 ) ، وفي الآية العاشرة  من سورة مريم : ” قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً”.

ذلك أن أيام العرب وشهورهم وسنيهم قمرية ، فالليل في حسابهم يسبق النهار ، ففي التاسع والعشرين من شعبان نترقب هلال رمضان ، فإذا ظهر هلال رمضان كانت أول ليلة من ليالي رمضان ثم يعقبها أول يوم منه ، وهكذا في هلال شوال وسائر الشهور .

وسورة مريم التي جاء فيها ذكر الليالي مكية ، وسورة ( آل عمران) مدنية ، وسورة مريم سابقة في نزولها لسورة آل عمران ، فجعل السابق للسابق واللاحق للاحق .

* ومنها قوله تعالى على لسان إبراهيم ( عليه السلام): ” رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا ءامِنًا ” (البقرة : 126) ، و ” رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا البَلَدَ ءامِنًا  ” (إبراهيم : 35) .

في الآية الأولى الكلام عن واقع معين حين زار  إبراهيم (عليه السلام) المكان قبل أن يصبح بلدًا ، فدعا (عليه السلام) لهذا المكان أن يكون بلدًا وأن يكون آمنًا ، فــ “بلدًا ” مفعول ثان لــ ” اجعل” ،   و “آمنًا ” صفة لــ “بلدًا”.

أما في الآية الثانية فقد دعا إبراهيم (عليه السلام) للبلد أن يكون آمنًا ، وذلك بعد أن صار بلدًا ، فكلمة ” البلد”  بالألف واللام بدل من اسم الإشارة ، و ” آمنًا ” هي المفعول الثاني لــ ” اجعل “.

ففي سورة البقرة دعا إبراهيم ( عليه السلام ) للمكان بدعوتين: الأولى: أن يكون بلدًا ، والأخرى: أن يكون أمنًا ،   أما في سورة إبراهيم ( عليه السلام ) فقد دعا للمكان بعد أن صار بلدًا أن يكون آمنًا ، تأكيدًا منه على مطلب الأمن لأهل هذا البلد ، وهو ما استجاب له رب العزة فقال سبحانه وتعالى : “… أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ … ” (القصص : 57) .

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى