بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وعلى آله وصحبه ، ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
سيادةَ الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيسَ جمهورية مصرَ العربية
السيدُ المهندس / شريف إسماعيل رئيسَ مجلس الوزراء
فضيلةَ الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخَ الأزهر
الحضورُ الكريمُ
يطيب لي أن أهنئ حضراتِكم جميعًا بهذه المناسبة العظيمة ليلةِ نزول القرآن الكريم, تلك الليلة التي وصفها الحق سبحانه وتعالى بالمباركة فقال : ” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ” , وأنها كلها سلام ، فقال : ” سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” ولم يقل سبحانه : هي سلام ، ليجعل من لفظ السلام عمدة وأصلاً تدور عليه حركة الكون والحياة ، ويوجهنا الحق سبحانه إلى سبيل السلم فيقول في محكم التنزيل : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ” .
ووفق مفهومي الموافقة والمخالفة في فهم هذه الآية فإن من يسير في طريق السلم الإنساني متبعٌ لما أمر الله به عباده المؤمنين ، ومن يسلك مسالك الفرقة والشقاق ، والتكفير والتفجير ، والخوض في الدماء ، والولوج فيها بغير حق فسادًا أو إفسادًا ، متبعٌ لخطوات الشيطان الذي هو لنا جميعًا عدوٌّ مبين , فديننا دين السلام ونبينا نبي السلام ، والجنة دار السلام ، وتحية أهلها السلام ، وتحية الملائكة لهم سلام: ” وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ”.
ومن أهم معالم هذا السلام ترسيخُ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا , وعدمُ محاولة حمل الناس عنوة على دين واحد , أو مسلك واحد ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: ” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” ، ويقول سبحانه : ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ” ، ويقول سبحانه : ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” ، فالخروج على هذا النهج القرآني هو خروجٌ عن طريق الجادة وسبل الرشاد .
على أن هذه الطبيعة السمحة التي تحدث عنها القرآنُ الكريم هي تلك التي عرفها الشعب المصري عبر تاريخه الطويل , وهو ما يمثله قول شاعر العربية الكبير أحمد شوقي , مع إضافة بعض الأبيات وإعادة صياغة بعض الجمل والتراكيب:
أَعَهِدْتَنَـــــــا والقِبْــــطَ إلاَّ أُمّــــة ً
في الأَرض واحدة نعيــش سلامًا
نعلي تعاليمَ المسيــحِ لأجلهــم
ويوقِّــــرون لأجلنــــا الإسلامـــــا
الدِّيـــنُ للدَّيّــــانِ جــــلَّ جلالُـــه
لو شـــاءَ ربُّــــكَ وَحَّـــــدَ الأَقواما
هـــذي ربوعكــمُ ، وتلـك ربوعنـا
مُتقابليــــــن نعالــــج الأَيامـــــــا
هـــذي بيوتكـــم ، وتلك بيوتنــــا
متعانقيـــن مـــــــــودة ووئامًـــــا
هـــذي قبوركــــمُ ، وتلك قبورنــا
مُتجاوريــــنَ جَمــاجمًــا وعِظامــا
فبحُرمة ِ المَوْتَى ، وواجبِ حقِّهـم
عيشوا كما يقضي الجــــوارُ كراما
وعلى الجانب الآخر من التسامح والتسامي المسيحي يقول الشاعر المسيحي اللبناني محبوب الخوري من مهجره بالمكسيك:
قالوا: تُحِبُّ العُرْبَ؟ قلتُ: أُحبُّهم
يقضي الجوارُ عَلَــيَّ والأرحــــامُ
قالوا: لقد بَخلوا عليك؟ أجبتُهــم
أهلــــي وإن ضنُّــوا عليَّ كــرامُ
قالـوا: الديانةُ؟! قلتُ: جيلٌ زائـلٌ
وتزولُ معه حَــــــــزازةٌ وخِصـــامُ
ومحمدٌ بطـــلُ البريــــةِ كلِّهــــــا
هو للأعـــاربِ أجمعيـــنَ إِمـــــامُ
ويجب أن يعلم الجميعُ أن الدول والشعوب التي آمنت بالتنوع الديني والعرقي والثقافي هي أكثر الدول أمنًا وأمانًا ، وتقدمًا اقتصاديًّا وعلميًّا ، وأن الدول التي دخلت في فوضى الصراعات الدينية ، أو العرقية ، أو القبلية ، أو المذهبية ، قد ذهبت إما إلى تفكيك وانقسام وقتل وتشريد ، أو إلى سقوط لا قيام له .
وعملاً على تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر الفكر الوسطي الصحيح قد أضفنا إلى المسابقة العالمية للقرآن الكريم هذا العام في المستوى الأول منها إلى جانب حفظ القرآن الكريم تفسيرَه كاملاً وفهمَه فهمًا صحيحًا , ذلك أن العبرة ليست بالحفظ وحده , فهناك من يقتلون ظلمًا وزورًا وبهتانًا وافتراءً على الله ورسوله باسم الإسلام وتحت راية القرآن ، والإسلام والقرآن منهم براء .
وفي سبيل تحصين النشء من الأفكار الهدامة فإننا نتوسع توسعًا كبيرًا في مكاتب تحفيظ القرآن الكريم العصرية التي تعني إلى جانب الحفظ بالفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم ومقاصده ، وبث القيم الأخلاقية والإنسانية النبيلة.
وبما أن العامَ الماضي كان عام الشباب ، والعامَ الحالي هو عام المرأة , فيسرنا أن نقدم بين يدي سيادتكم سيادة الرئيس عملين هامين : أحدهما لشباب علماء وزارة الأوقاف وهو ” موسوعة الدروس الأخلاقية ” التي تهدُف إلى ترسيخ القيم والأخلاق الفاضلة ، وقد جاءت هذه الموسوعة نتاج حوارات موسعة أقامتها وزارتا الأوقاف والشباب والرياضة في لقاءات مفتوحة مع الشباب ، تلبية لتوصيات المؤتمر الأول للشباب بمدينة شرم الشيخ , والعمل الآخر هو كتاب ” الزهـراوان فـي متشابهات القـرآن ” لبعـض الباحثـات المصريـات الأصيـلات بمشـاركة بعـض واعظـات الأوقـاف المتميزات اللائي ندفع بهن وبقوة في مجال العمل الدعوي والتربوي ، وهو مؤلف عظيم في خدمة كتاب الله (عز وجل) وتيسير حفظه , حيث قُمن بعمل معجم لمتشابهات القرآن في فواتح الآيات , ويعكُفن الآن على عمل معجم آخر لخواتيم الآيات , نؤمل أن نخرجه قبل نهاية هذا العام 2017م عام المرأة المصرية العظيمة ، تأكيدًا على قدرة المرأة المصرية على العطاء بصفة عامة ، وعلى العطاء العلمي والدعوي والتربوي بصفة خاصة ، فتحية للمرأة المصرية في عامها ، وتحية لسيادتكم على تخصيص هذا العام 2017 ليكون عامًا للمرأة المصرية .
واسمحوا لي سيادة الرئيس أن أقدم لسيادتكم هذه الموسوعة ، ونسخة من كتاب الله (عز وجل) وبهامشها هذا العمل العظيم ” معجم متشابهات القرآن الكريم” .
وكل عام وسيادتكم بخير،،،