عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا السابق :
شرائع الإسلام دليل على يسره ووسطيته
الصوم تهذيب للنفس وتربية لها على السلوك القويم
رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف :
مراقبة الله في السر والعلن تعصم الفرد والمجتمع من الزلل
برعاية كريمة من معالي أ.د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وترسيخا لمبادئ المواطنة وغرسا لروح الولاء ، أقيمت الحلقة الثامنة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف ، مساء يوم الثلاثاء 6 / 6 / 2017م بساحة مسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) تحت عنوان: ” الصوم بين المراقبة وتزكية النفس ” ، وحاضر فيها : أ.د/ سيف رجب قزامل عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا السابق ، وفضيلة الشيخ/ جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف ، بحضور أ.د/ عبد الله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية ، و د / محمد عزت منسق الملتقى ، ولفيف من شباب الدعاة بالوزارة ، وجمع غفير من المشاهدين والسادة الإعلاميين.
وفي بداية اللقاء رحب أ.د/ سيف رجب قزامل بالسادة الحضور ، مشيدًا بدور وزارة الأوقاف في تجديد الخطاب الديني والنهوض بالدعوة ، مثمنا دور معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة في عودة ملتقى الفكر الإسلامي في رحاب مسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه).
وفي كلمته أكد أ.د/ سيف رجب قزامل عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا السابق أن شهر الصيام تذكير بمنهج رسالة الإسلام خاتمة الرسالات السماوية ، والتي جاءت لتبين أن الغاية من بعث الرسل وحدانية الله (عز وجل) وتزكية النفس وتطهير البدن وتصفية القلب.
كما أضاف فضيلته أن المنهج الإسلامي احتوى المناهج السماوية السابقة وصدق على ما فيها من السمو بالنفس ومكارم الأخلاق ، لأن الهدف الارتقاء بالنفس والروح ، فالصوم شرع لتهذيب النفس وتربيتها على السلوك القويم والصراط المستقيم ، حتى يقوى الإنسان على نفسه وشيطانه وعلى أداء مهمته في الحياة ، ولن يُتم مهمته إلا إذا ملك إرادته ، وحينما يمسك عن الطعام والشراب يتحكم في زمام نفسه ، كما يزيد في الأجر ويرفع الوزر ويغفر الذنب ، ففيه إذعان وخضوع لله ، فإذا ارتقى الإنسان بلغ بصومه درجة السمو الروحي والصفاء القلبي وساعتها يستطيع التحكم في حواسه ويكون مع الله بجميع جوارحه ، فتطهر جوارحه من الكذب والزور ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) نبه على هذا فقال: ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.
وفي سياق متصل أشار فضيلته إلى أن لب الرسالة في هدفها الأسمى تحقيق الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها وهي : عبادة الله ، مضيفا أن من أهدافها أيضا رفع الحرج ونفي المشقة ، وأن شرائع الإسلام دليل على يسره ووسطيته ، مستشهدا بقول الله: ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا “
كما أفاد فضيلته أن الصوم يقرب من الله ويضيق على الشيطان ويبعد عنه ، داعيا المسلمين أن ينعموا في هذا الشهر بعبادتهم وصومهم ، وأن يعيشوا مع القرآن الكريم منهج ربهم ، ففيه العلاج لكل أغراضهم ، والحلول لكل مشاكلهم ، فلو عشنا مع القرآن لوجدنا الاستقرار و السعادة في الدنيا والآخرة.
ومن جانبه أكد فضيلة الشيخ/ جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف أن مراقبة الله تعالى من أهم القيم السامية والأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام ، فهي طريق الإخلاص الذي هو أساس قبول العمل عند الله (عز وجل) ، والحق سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه ، مشيرًا إلى أن الله (عز وجل) حثنا على مراقبته في كل أحوالنا وتصرفاتنا ، فقال سبحانه : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، موضحًا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عبر عن المراقبة بالإحسان كما ورد في حديث جبريل (عليه السلام) حين سأله قائلاً : (فأخبرني عَنِ الإِحْسَانِ؟. فقَالَ (صلى الله عليه وسلم) : (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) ، فالمراقبة هي ثمرة علم الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى ناظر إليه ، رقيب عليه ، مطلع على عمله ، سامع لقوله في كل وقت وحين ، قال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، ولله درُّ الشاعر حيث قال:
إذا ما خلــــوت الدهر يومًا فلا تقل خلـــــوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
ولا تحســبنَّ الله يغفـــــلُ ســاعـــةً ولا أنَّ ما تخـــفيه عليه يغــيبُ
ألم تر أن اليوم أســـرعُ ذاهــبٍ وأنَّ غــــدًا للنـــاظرين قـــريبُ
فإذا راقب الإنسان ربه في كل أحواله انضبط سلوكه وتصرفاته ، وحسن عمله واستقامت حياته ، سواء رآه الناس أم لم يروه ، وسواء أثنوا عليه أم لا ، فلا يظلم نفسه ولا يظلم غيره ، حتى وإن غابت عنه رقابة البشر ، فمراقبة الله تعالى في السر والعلن تعصم الفرد والمجتمع من الزلل .
كما أشار فضيلته إلى أن شهر رمضان مدرسة تهذب السلوك وتسمو بالأخلاق إلى أحسنها ، فالصيام يربي النفس على مراقبة الله (عز وجل) في السر والعلن ، حيث يغرس في نفس الصائم الصبر على طاعة الله سبحانه ، ويعلمه قوة الإرادة ، وضبط النفس ، ففي كثير من الأوقات يكون الطعام والشراب بين يدي الصائم بعيدًا عن أنظار الناس ، ومع ذلك يمتنع عن تناولهما خوفًا من الله (عز وجل) وخشية منه سبحانه ، وعلمه بأن الله تعالى يراه ، ومطلع عليه في سره وعلانيته ، وهذا ما فسره الحديث الشريف : (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يضاعَفُ ، الحسنةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ . قَالَ الله تَعَالَى: إِلاَّ الصَّوْمَ فَإنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أجْلِي) .
كما أكد فضيلته أننا جميعا ونحن في شهر الصوم أن نستشعر مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، فلا ينتظر أحدنا رقابة البشر ، بل يراقب كل منا ربه فيما ولاه عليه ، لتحيا قلوبنا ، وتستيقظ أرواحنا ، وتستقيم حياتنا ، فتنهض الأمة وترتقي ، فإن سعادة المجتمع وتقدمه مرهونة بيقظة ضمائر أبنائه ومراقبتهم لله (عز وجل).
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أنه إذا مات الضمير وانعدمت المراقبة لله (عز وجل) نتج عن ذلك فساد في الأخلاق والمعاملات ، فما الذي يمنع الموظف أن يرتشي ؟! والكاتب أن يُزَور ؟! والطبيب أن يهمل في علاج مريضه ؟! والمعلم أن يقصر في واجبه ؟! والتاجر أن يغش ويحتكر في تجارته ؟! … وهكذا في كثير من جوانب الحياة ، لذا وجب علينا جميعًا أن نراقب الله تعالى ، ولنحذر أن نكون أجسادًا بلا ضمائر حية متصلة بالحق والخير والمعروف ، حتى تتنزل علينا رحمة الله تعالى ومغفرته في هذا الشهر الكريم.