وزير القوى العاملة:
لولا العمل ما كانت هناك حياة
ويجب علينا أن ننتقل من السكون إلى السعي والحركة
والعامل المصري هو رمز التقدم في مصر
المشروعات الكبرى تؤتى ثمارها أواخر العام الحالي
أ.د/ بكر زكي عوض:
الدين والسياسة في الإسلام متعانقان
رسول الله أول من حث على المشروعات الصغيرة
ليس للقادر على العمل حق في الصدقة
العلم والعمل يشملان الديني والدنيوي
أ.د/ عبد الله النجار:
قيمة الإنسان بقدر ما يقدمه من عمل نافع لنفسه ومجتمعه وللإنسانية
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وترسيخا لمبادئ المواطنة وغرسا لروح الولاء أقيمت الحلقة الخامسة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف ، مساء يوم الجمعة 2 / 6 / 2017م بساحة مسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) تحت عنوان: ” العمل قيمة إنسانية خلاقة ” ، وحاضر فيها معالي الأستاذ / محمد محمود سعفان وزير القوى العاملة ، و أ.د/ بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق.
وأدار اللقاء أ.د/ عبد الله النجار عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعميد كلية الدراسات العليا الأسبق ، بحضور د/ محمد عزت منسق الملتقى، ولفيف من شباب الدعاة بالوزارة ، وجمع غفير من المشاهدين والسادة الإعلاميين.
وفي بداية اللقاء رحب أ.د/ عبد الله النجار عضو مجمع البحوث والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالسادة الضيوف والحاضرين من رواد الملتقى المبارك ، مشيرًا إلى أن موضوع العمل كقيمة إنسانية من الأهمية بمكان ، فقيمة الإنسان بقدر ما يعمل وبقدر ما يقدمه لنفسه ومجتمعه وللإنسانية جمعاء من عمل نافع ، فقد ورت كلمة العمل في القرآن الكريم 180 مرة كلها تدل على أهمية العمل النافع الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ) .
وفي كلمته أكد معالي الأستاذ/ محمد محمود سعفان وزير القوى العاملة أن العمل قيمة عظيمة ، به تقوم الحياة ولو تخيلنا أنه لا يوجد عمل لما كانت هناك حياة، فكل ما حولنا هو نتاج عمل الإنسان ، مضيفا أن العمل هو كل مجهود نافع يبذل من الإنسان ، فكل مهنة أو حرفة أو وظيفة يقوم بها الإنسان فهي عمل ، فالعمل مطلوب من الجميع لمساعدة المجتمع على الاستقرار ، والدولة على البناء .
كما نبه معاليه أن العمل وحده لا يكفي دون إخلاص وجد وإتقان وهذا يعلمه الله (عز وجل) وحده وهو يجازي عليه ، فكل يعمل في مكانه بحسب طاقته واستطاعته ، مضيفا أن أمثلة الدول التي تقدمت بالعمل الجاد المخلص كثيرة، منها : ألمانيا التي تهدمت بعد الحرب العالمية الثانية ، ثم قام المجتمع كله بجمع ما يفيد وما يمكن أن يستعمل في إعادة البناء مرة أخرى ، وبدأت ألمانيا نهضتها حتى صارت من الدول العظمى.
وقد أكد معاليه أن لدينا ثروات كثيرة لا يمكن أن تستغل إلا بطاقات الشباب الجاد المخلص ، مضيفا أنه ليس عيبا أن يبدأ الشاب العمل في أي فرصة متاحة لحين أن تتوفر الفرصة المناسبة لتطلعاته ، فلا ينبغي أن يجلس شاب بدون عمل ، فهذا يوجد لديه خبرات مجتمعية تساعده في حياته العملية ليتسنى له الانتقال إلى فرصة أفضل.
وفي نفس السياق قال معاليه : إن الدولة الآن بصدد سن القوانين والتشريعات التي تسهم في دفع عجلة الإنتاج وتزيد الناتج القومي مما يؤدي إلى تحقيق بعض الرخاء في المجتمع ، مؤكدًا أن المشروعات الكبرى الجاري تنفيذها ستؤتي ثمارها في أواخر 2017 وبداية 2018 بإذن الله تعالى ، مما يوفر مليون فرصة عمل لشبابنا.
ومن جانبه أكد أ.د/ بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق أن الإسلام لا يعرف الفرق بين الدين والسياسة فهما متعانقان ، فقد جاءت الرسل لتسوس بالدين أمور المجتمع ، مشيرًا إلى أننا إذا أردنا النهوض من كبوتنا الاقتصادية فعلينا أن نحي التجربة النبوية في المدينة المنورة ، ففي عشر سنين تحولت من أرض كانت القوة فيها لليهود إلى أرض أصحاب النفوذ فيها هم المسلمون.
كما نبه فضيلته إلى أن الإسلام منذ ظهر ركز على ثلاثة أشياء: العلم ، والعمل ، والأمن ، مشيرًا إلى أن نصوص العلم في القرآن الكريم جاءت عامة تشمل العلم الديني والعلم الدنيوي ، وأن الخطأ الذي وقع فيه الكثير قصر العلم على العلوم الشرعية دون العلو الدنيوية النافعة أدى إلى تأخر المسلمين في العلوم التجريبية ، فأصحاب العلوم الدنيوية إذا ابتغوا بعملهم وجه الله (تعالى) فعملهم وعلمهم أخروي يؤجرون عليه من الله (عز وجل).
وأضاف فضيلته أن كلمة العمل أصابها هي الأخرى خطأ في الفهم ، فقد قصرها بعض الناس على التنسك والعبادة ، والصحيح أن العمل الصالح في الدين أو في الدنيا يؤجر عليه صاحبه ، ففي الحديث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : (من أمسى كالاَّ من عمل يديه أمسى مغفورًا له) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) حين نظر ليد سلمان الفارسي ، وكان يعمل خواصا : (هذه يد يحبها الله ورسوله) .ولما رأى أثر المسحاة في يد سعد قبَّلها وقال : (هذه يد حرمها الله على النار ) .
كما أشار فضيلته إلى أن أول من وجه للمشروعات الصغيرة وحث عليها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ففي الحديث : أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ، وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: «ائْتِنِي بِهِمَا» ، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: «مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: «اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا، فَأْتِنِي بِهِ» ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَشَدَّ فِيهِ عُودًا بِيَدِهِ، وَقَالَ: «اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلَا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» ، فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: «اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا» ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ».
وأضاف فضيلته أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نبه على أنه لا يجوز أن يأخذ الصدقة غني ولا قوى قادر على العمل ، فقال: (لا تَحل الصدقة لِغَنيّ، ولا لذي مِرَّة سَوىّ) ، مشيرًا إلى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجهنا إلى الزراعة والتوسع فيها ، فقال : (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ) ، وأخبرنا أن العمل والسعي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : (ما مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غرساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً، فيأكُلُ منهُ طيْرٌ، أو إنسانٌ، أو بَهيمةٌ ، إلا كانَ لهُ به صَدَقَةٌ ) .
هذا وقد أجمع المتحدثون على أهمية العمل ، انطلاقا من قوله تعالى :{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور}، وقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ( لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ) ، وقوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا) .
فالعمل يتطابق مع دعوة القرآن الكريم إلى الإعمار والإصلاح في الأرض، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى:{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، وانطلاقاً من هذه الدعوة ، أخذ الإسلام يحثّ على العمل ويُحارب الكسَل ، ويدعو إلى الجدِّ وبذل الجهد من أجل تحصيل الرِّزق والانتفاع بطيِّبات الحياة ، وإعمار الأرض وإصلاحها، ومن ثم يكون النهوض بالوطن والرقي بالمجتمع.
فالأمة العاقلة هي التي تأخذ من ماضيها لحاضرها وتستفيد منه الدروس والعبر ، وتتخطى الصعاب بالعمل الجاد والصبر الجميل .