أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة في خطبة الجمعة اليوم 5 / 5 / 2017م أن الدعوة إلى تعطيل مرافق الدولة أو استهدافها أو عدم دفع مستحقات استخدامها إثم كبير وخيانة للدين والوطن , وقد تم الرد على هذه الضلالات الإرهابية في ثلاثة مباحث من كتاب” ضلالات الإرهابيين وتفنيدها” في استهداف المرافق العامة :
- في المبحث الثامن “استباحة تدمير الآلات والمركبات الخاصة بقوات الجيش والشرطة” :
وللرد على هذه الضلالة نقول:
هذه المعدات من المال العام الذي أوجب الشـرع صيانته على كل فردٍ في الأمة، ومنع من الاعتداء عليه بأي وسيلةٍ كانت ، إضافةً إلى أنَّ هذه المعدات وسائل للدفاع عن أمن وسلامة الوطن والمواطنين وحمايتهم داخليًّا وحدوديًّا ، وخارجيًّا إن لزم الأمر ، فلا يجوز إتلافها أو النيل منها.
فالحق سبحانه أمرنا بإعداد القوة بكل جوانبها بما فيها القوة الأمنية وإظهارها أمام أعداء الأمة لِبَث الخوف والرهبة في قلوبهم حتى لا يتجرأ أحد منهم على الاعتداء على أمن بلادنا ، وفي ذلك حفظ للأرواح والأعراض والأموال والأوطان من التعرض لويلات الاعتداءات الغاشمة والاحتلال ، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}([1]) .
وفي هذه الآية ملحظان:
الأول: أن إعـداد هـذه القـوة إنما هـو لـردع العـدوّ الـذي يعتـدي على بلادنـا وأعراضنـا وأمـوالنـا ومكتسبـاتنـا ، وكـذلك ردع أعـدائنـا المتربصين بنا .
الثاني: أن هذه القوة المعدة كما أمرت الآية الكريمة لا غرابة فيها إذ هي ما يعرف الآن في القوى العالمية بالسلم المسلح أو الردع الدفاعي.
وأوضح الحق سبحانه هدف أعداء الدين والوطن من أن يتخلى الجندي عن سلاحه، بقوله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}([2]) ، فما كان لمسلم متبع لتعاليم الحق سبحانه، ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) أن يتهاون في حماية سلاحه؛ لكون ذلك بخلاف ما أمر الله تعالى به ، فأي عقل يقول : إن مَن يملك القوة يذهب لتدميرها أو لتدمير الآخرين بها لمجرد أقوال بعض من لا يريدون لبلادنا ولا لأهلها أي خير , ولا يفهمون دينهم فهمًا صحيحًا رشيدًا .
ومن ذلك نفهم أن مَن يدعو إلى النيل من تسليح الدولة أو معاداتها إنما هو مخالف لقوله تعالى:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }([3])، ثم هو ساعٍ لتحقيق هدف أعداء الأمة والدين من إضعاف الدولة في مواجهة عدوها.
وقد أكد الحق سبحانه على أهمية أخذ الحِيطة والحذر بقوله تعالى: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}([4]) ، وعدم التهاون في ذلك الأمر ؛ حتى لا ينال أعداؤنا منا ، كما أكده الحق تعالى بقوله : {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}([5]) ، وهذا ما تسعى إليه هذه الجماعات المتطرفة بالخطوات المدرجة في فتاويهم .
وبناءً على هذا : لا يجوز للمجند المرابط في سبيل الله تعالى بتكليف من رئيس الدولة ، أو وزارة الدفاع أن يترك سلاحه ولا أن يسمح لأي إنسان أن يصل إليه.
ولو كان ذلك مسموحًا به في الشـرع الشـريف لَمَا أجـاز الحق سبحانه للجندي المجاهد والمرابط في سبيله تعالى أن يدخـل الصلاة وهو حامل لسلاحه في قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}([6]) ، وهذا ما وعاه الجندي المصري عبـر التاريـخ ، وبذلك ثبتت له مكانته ، فهو في رباطٍ إلى يوم القيامة.
وإذا كان أهل العلم والفقه من العلماء العاملين المخلصين على أن من مات دون ماله فهو شهيد ، فإن من مات دون سلاحه فهو شهيد ، ومن مات دون وطنه فهو شهيد.
كما أن الاعتداء على هذه الآلات والمركبات أو محاولات تدميرها يدخل في الإفساد المنهي عنه ، حيث يقول الحق سبحانه : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}([7]) .
وأصحاب هذه الضلالة يريدون بضلالتهم هذه تفكيك الجيش المصــري خاصة والجيوش العربية عامة لصالح الأعداء ، وهذه خيانة عظمى للدين وللوطن، فالجيش والشـرطة حصن البلاد في الداخل والخـارج ، فالدعـوة إلى هدمهما دعـوة إلى تفكيك الوطن والقضـاء عليه ، وهـو مالا يقـره دين ولا وطنيـة ولا إنسـانية ولا عقـل سليـم.
* * *
([1]) الأنفال : 60.
([2]) النساء ، من الآية : 102.
([3]) الأنفال ، من الآية : 60.
([4]) النساء ، جزء من الآية : 102.
([5]) النساء ، جزء من الآية : 102.
- في المبحث العاشر ” إشاعة الفوضى وهدم الدولة تحت غطاء التظاهر السلمي , واستباحة التعدي على المنشآت والممتلكات العامة والخاصة” :
وللرد على هذه الضلالة نقول:
نظمت الدساتير والقوانين الآليات والطرق التي يُعبِّر بها الناس عن آرائهم من خلال التظاهر السلمي وغيره من وسائل التعبير عن الرأي ، غير أن هذه الجماعات الضالة المضلة تتخذ من هذه الوسائل العصـرية التي كفلها الدستور والقانون للتعبير السلمي عن الرأي مطية لأجل إشاعة الفوضى , والتعدي على الممتلكات العامة أو الخاصة ؛ قصد إنهاك الدولة أو إسقاطها.
فالناظر في التاريخ يجد أنَّ بعض الجماعات ضلت عن طريق الحق , وكانت البداية في هؤلاء الذين خرجوا على سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) باسم الدين وإقامة الحق ، خرجوا محتجين لكنهم سرعان ما حملوا أسلحتهم في وجه الخليفة ، وفي وجوه الصحابة الكرام (رضوان الله تعالى عليهم) ، فكانت النتيجة استشهاد الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) , ثم فتح باب الفتنة وظهرت طائفة الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وانتهى الأمر بقتلهم إياه (رضي الله عنه) أيضًـا , وكان بقتـله ما كان من الفتـن , ودخـول الأمـــة الإسلامية آنذاك في حروب وانشقاقات تاريخية لم تعرفها من قبل .
وهذا ما تهدف إليه هذه الجمـاعات الإرهـابية الآن من نشـر الفـوضى التي تؤدي إلى الاستهانة بالحرمات ، والاجتراء على القتل والتدمير , إما طمعا في السلطة وإما خيانة لأوطانهم وعمالة لأعدائها.
ولذلك حرَّم العلماء بيع السلاح وتداوله في أوقات الفتنة ؛ لما فيه من خطورة وجود السلاح وانتشاره بين الناس بما يُغري إلى استخدامه والتعرض للناس بالباطل ، والإعانة على الإثم والعدوان([1]) ، فعن عمران بن حُصين «أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ»([2]).
فكيف يتم حث الناس في وقتنا الحالي على استخدام مختلف وسائل العنف والإرهاب بحجة الإصلاح ، سبحانك ربنا، هذا بهتان عظيم؟!
وممَّا يزيدك معرفة وعلمًا بضلال هذه الجماعات وإضلالهم مخالفة نهي سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسلمين عن أن يقتل بعضهم بعضًا ، فقال: (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ، يَضْربُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)([3])، إذن فإن من يدعو الناس للخروج والقتل والتدمير إنما هو مخالف لمنهج سيدنا رسول الله (صلى الله عليـه وسلـم) , وإن مـا تدعـو إليـه هـذه الجماعـات إنما هـو الضـلال والإضلال وليس الهداية والإصلاح.
ومما يؤكد على حرمـة الإعـانة على قتـل المسلمين أو غيـرهم ، موقـف سيدنا عبد الله بن عمر (رضي الله تعالى عنهما) حين أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَا : إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا مَا تَرَى ، وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ ، وَصَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ ؟، قَالَ: «يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيَّ دَمَ أَخِي الْمُسْلِمِ»، قَالَا: أَوَ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}([4]) ؟، قَالَ: «فَقَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لِله ، فَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ نُقَاتِلَ حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ » ([5]) ، وفى رواية أخرى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا، قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدِّثْنَا عَنِ القِتَالِ فِي الفِتْنَةِ ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}([6]) فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الفِتْنَةُ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟ « إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً ، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى المُلْكِ »([7]).
وهكذا نرى حكم ابن عمر (رضي الله تعالى عنهما) على مَن يسعى إلى حشد الحشود ويرغبهم في القتل وتأجيج نيران الفتنة بأنَّه ساعٍ وراء الملك والرياسة , وكأنه (رضي الله عنه) يصور واقع هذه الجماعات التي تتخذ الدين مطية للوصول إلى أغراضها الخبيثة , حتى لو سفكوا في سبيل ذلك دماء الناس ظلمًا وافتراءً وجرأة على الله ورسوله.
ومما ينبغي أن يُعلم أن الله سبحانه حفظ لعباده بمختلف طوائفهم وجنسياتهم , وأعراضهم , وأموالهم وممتلكاتهم , ومَن يقول: إنه يجوز شرعًا التعرض للممتلكات العامة أو الخاصة أو التعدي عليها أو استباحتها في الإسلام فقد افترى على الله تعالى ، وعلى رسوله (صلى الله عليه سلم) ؛ لأن ذلك يُخالف قول الحق سبحانه: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ([8]) ، كما يشتمل على مخالفة صريحة لفعل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقد ردَّ الأموال والودائع التي ائتمنه عليها كفار قريش على الرغم من كفرهم به وتكذيبهم له .
فقبل أن يخرج (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة ترك ابن عمِّه عليًّا (رضي الله عنه) ليرد إليهم ودائعهم وأماناتهم ، فلم يستحلها، ولم يتحفظ عليها، بل امتثل لأمر الله سبحانه وتعالى : {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}([9]) ، أليس هو القائل في خطبته الجامعة في حجة الوداع : (إنَّ دِماءكُمْ ، وَأمْوَالَكُمْ ، وأعْرَاضَكُمْ ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا ، في شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا – أَوْ ضُلَّالًا – يَضْـرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ … ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهم فاشهد)([10]).
ومن هنا نقول: إنَّ مَنْ يسعى لإشاعة الفوضى ، والتعـدي عـلى الممتلكـات العامة والخاصة – كما هو حال هذه الجماعات المتطرفة – آكلٌ لأموال الناس بالباطل أو مفسد لها ، مخالفٌ لهدي سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، داخلٌ في وعيد قوله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلـَى اللَّه يَسِيرًا}([11]).
* * *
([1]) بدائع الصنائع 5 | 233
([2]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير .
([3]) أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب حجة الوداع ، ومسلم في كتاب الإيمان ، باب «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» .
([4]) البقرة : من الآية: 193 .
([5]) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن ، باب قوله:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} .
([7]) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (الفتنة من قبل المشرق) .
([10]) أخرجه مسلم في كتاب الْقَسَامَةِ وَالْمُحَارِبِينَ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتَِ ، باب تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ .
- في المبحث الحادي عشر “الدعوة إلى قطع الطرق وتعطيل المواصلات” :
وللرد على هذه الضلالة نقول:
تجاهلت هذه الجماعات ما ورد من سُنَّة شريفة ونهي نبوي صريح في أمر الجلوس على الطرقات فضلًا عن قطعها وإيذاء الأبرياء فيها ، عن أبى سعيد الخدرى (رضى الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ)، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا)، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: (غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ) ([1]).
فقد وضع سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضوابط للتعامل مع الطريق في حال ما إذا اضطر الإنسان أن يجلس فيه ، وهذا في مجال المباح من تبادل الأعمال والمصالح والمنافع والخير ، وجعل هذه الضوابط من حقوق الطريق وليس لأحد من الناس .
ومما ورد من حقوقـه : غَضُّ الْبَصَـرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّــلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْـرُوفِ ، وَالنَّهْـيُ عَـنِ الْمُنْكَـرِ ، فمِـن أيـن جـاء هؤلاء بجـواز قطـع الطـرق والاعتداء عليها ، وبالتبعية الاعتداء على المستخدمين لها؟.
وقد نهى الشرع عن تعطيل المواصلات ؛ لما فيه من إضـرار بمصالح عامة الناس ؛ ولعدم قصور استخدامها على فئة بعينها ، كما أنَّ في تعطيلها إضرارًا وأذيةً بالخلق ، ومخالفة لأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) حيث قال: (كف الأذى ، والنهي عن المنكر) والتي هي من حقوق الطريق.
وورد في السنة المطهرة ما يدل على فضل وثواب من يقوم بإزالة الأذى عن الطريق ، ويمهده للناس ، ومن ذلك ما رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ) ([2]), ويقول (صلى الله عليه وسلم) : (الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأفْضَلُهَا قَوْلُ : لاَ إلهَ إِلاَّ الله ، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ)([3]), وقال (صلى الله عليه وسلم) : (كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَـةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَـدَقَةٌ ، وَكُـلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) ([4]).
وفي التشجيع على قطع الطرق وتعطيل المواصلات إحداث شلل لحركة الحياة في البلد ، وتعريض حياة المواطنين الأبرياء والمسالمين إلى الخطر ، وفي ذلك استهانة بأرواح الناس ومصالحهم ، وهذه مخالفة صريحة وواضحة للضوابط الشرعية.
وفي هذا الإتلاف تعدٍّ على ممتلكات الدولة العامة ومنافعها ، وفي ذلك إضرار بالدولة والمجتمع ومصالح البلاد والعباد، وهو ما يؤكد على أن هذه الخطوات إنما هي خطة ممنهجة وموضوعة بمكر شديد من أجل إشاعة الفوضى في البلاد وتأجيج حالة الحقد والغضب عند الناس , حتى يثوروا على حكامهم , فتكون الفوضى التي يسعى أعداؤنا إلى تحقيقها رجاء تمزيق دولنا وتفتيتها , وإضعافها وتحويلها إلى كيانات هزيلة لا تنفع صديقًا ولا تضر عدوًّا.
* * *
([1]) أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب ، باب أفنية الدور والجلوس فيها ، والجلوس على الصُّعدات ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة ، باب النهي عن الجلوس في الطرقات.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ، باب فضل التهجير إلى الظهر، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة ، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق.
([3]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب شُعَبِ الْإِيمَانِ.
([4]) أخرجه البخاري في كتاب الجِهَادِ وَالسِّيَرِ ، باب مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ .