تعد استباحة الدماء ضلالة من أهم ضلالات الإرهابيين ، فإن استباحة الدماء بدون حق إنما هي محاربة لله ورسوله ، وعين الفساد والإفساد.
وقد عالج كتاب “ضلالات الإرهابيين وتفنيدها” هذا الموضوع للرد على هذه الضلالة في المبحث السابع منه ، وقد جاء فيه:
الرد على ضلالة (استباحة هذه الجماعات لحُرمة الدم بكل أشكاله)
وللرد على هذه الضلالة نقول:
يتضح من ممارسة هذه الجماعات للأعمال الإجرامية من القتل وغيره تحريفهم للمَوَاطِن التي يتم فيها تطبيق النصوص القرآنية المرتبطة بأحكام القتال ، واتخاذ ذلك وسيلةً لاستحلال دم الأبرياء من المسلمين وغيرهم.
كذلك يتضح مما تحمله كلمات وعبارات هذه الجماعات أنهم يكرهون الأمة الإسلامية عامة كرهًا شديدًا ، وذلك بمحاولاتهم الدائمة قلب الحقائق بتغيير المواضع التي ذُكر فيها الجهاد في سبيل الله تعالى، وبما يصدر عنهم من أفعال يندى لها جبين الإنسانية .
فهم يقومون بحرق البشـر أحياء وذبح آخرين أمام كاميرات التصوير ويفتخرون بذلك ، ولا تُوجد رسالة سماوية على وجه الأرض تقول بذلك. ولم يرد عن أحد من الأنبياء (عليهم السلام) أنه فعل ذلك أو أجازه ، لا في السلم ولا الحرب ؛ حتى يتجرأ هؤلاء الأفاكون المجرمون ويفترون على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه أمر بذلك أو فعله أو أشار به أو أومأ إليه ، أو أن هذا مما وجدوه في سُنَّته المُطهَّرة ، افتراء عليه وعلى سنته (صلى الله عليه وسلم) وهو أبرأ الخلق من ذلك.
ومن الدواهي العظيمة إجازتهم قتل النساء والأطفال والشيوخ حتى أصحـاب الإعاقـة منهم كالضـرير ، واستباحتهـم لاستخـدام الدروع البشرية كوسيلة تُبلِّغهم هدفهم من إسقاط الدولة وهدم الدين.
وفي خضم تنفيذ هؤلاء لمخططاتهم الهدَّامة يبيحون حرمة دماء الأبرياء الذين يمكن أن يُقتلوا بغير ذنب ولا وجه حق ولا لجُرم ارتكبوه ، وليس ذلك من الشرع الشريف ولا به أمر ، وباستباحتهم دم المسلم تظهر حقيقة عقيدتهم بأنهم ماداموا قد استحلوا دمه المحرَّم ، فمعنى ذلك : أنهم كفَّروه ونَفوا عنه صفة الإسلام، وما ذلك من حق أحد ما دام أن المسلم على إسلامه ولم يظهر منه ما يخالفه. كذلك بلغ من ضلالهم وجحدهم بأحكام الشـرع أنهم أسقطوا الدية عمن يقتلونه عن طريق الخطأ، فلا حرمة للدم عندهم أيًّا كان صاحبه , حتى ولو كانت امرأة أو طفلا أو شيخًا هرمًا.
وقد روي عن سيدنا عبد الله بْنِ عُمَرَ (رضي الله تعالى عنهما) : « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَجَد فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ »([1]) ، وقال الفقهاء : لا ينبـغي أن يُقتـل في شيء من المغــازي امرأة ولا شيخ فــانٍ ، إلا أن يشتركا في القتال([2]).
ومن هنـا نعرف أن الشـرع الحنيـف قد نهى عن القتـل إلا بالحـق الـذي يثبـت عند وليِّ الأمر وليس لآحاد الناس ، أما استباحة دماء العباد بهذه الطريقة إنما هو فتح لباب الهَرج – وهو القتل – الذي حذَّر منه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ لما فيه من خطر عظيم على المجتمع وأمن العباد وضياع الدين بضياع شعائره ؛ لأنه لا عبادة لله تعالى بصدق ولا تدين في ظل الرعب والخوف والقهر.
وفي التأكيد على حرمة الدماء يقول الحق سبحانه :{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}([3])، ويقول تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}([4]) ، ويقول سبحانه : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}([5]) ، ويقول سبحانه : {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}([6]).
وقد عدّ النبي (صلى الله عليه وسلم) سفك الدماء بغير حق من السبع الموبقات التي تفسد الحياة وتهلك المجتمع ، حيث قال (صلى الله عليه وسلم) : (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ! قالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ باللهِ، والسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بالحَقِّ ، وأكلُ الرِّبَا، وأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ) ([7]). ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ) ([8])، ويقول (صلى الله عليه وسلم):(لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) ([9]).
ومن الدواهي العظيمة أيضًا استباحتهم دم غير المسلم وماله وعِرضه ونسبتهم ذلك زورًا وبهتانًا إلى السنَّة النبوية، متجاهلين تمامًا وعمدًا قـول الحق سبحانه:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([10]) ، وكذلك تجاهلوا عامدين عهد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لغير المسلم الذي يعيش آمنًا بين المسلمين بأنه مصان الدم والمال والعِرض مادام أنه لم يأتِ بجُرم يستحق عليه العقاب، ولم يستعدِ على المسلمين قوى أخرى سواء من داخلهم أو من خارجهم، ولم يسع لإشعال نار الفتنة في البلاد الآمنة ، وتجاهلوا أن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتل مسلمًا بمُعاهَد ، وقال: (أنا أكرم من وَفَّى بذمته)([11])، وقال أيضًا : (إذا أمَّن الرجلُ الرجلَ على نفسه ثم قتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا) ([12])، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ([13])، على هذا ذهب بعض الفقهاء إلى أن القصاص واجب بقتل كل معصوم الدم على التأبيد إذا قُتل عمدًا بغض النظر عن جنسه أو عقيدته([14])، فلو قَتل مسلم كافرًا مسالمًا عمدًا بغير حق فإنه يُقتل به ، اعتمادًا على عموم النصوص الواردة في شدة حرمة الدماء , فمَن قتل إنسانًا بغير حق يُقتل به أيًّا كان , وهو ما يتوافق مع ترسيخ أسس المواطنة المتكافئة , ويتناسب وظروف مجتمعنا وعصرنا.
* * *
([1]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب قتل النساء في الحرب ، ومسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب.
([2]) المغنى لابن قدامة 9 | 311 .
([7]) رواه البخاري في كِتَاب الْوَصَايَا ، بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}.
([8]) رواه مسلم في كتاب التَّفْسِيرِ ، باب النَّهْيِ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ إِلَى مُسْلِمٍ.
([9]) رواه البخاري في كِتَاب الدِّيَاتِ ، بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}[النساء: 93].
([11]) أخرجه الدار قطني في سننه ، والبيهقي في السنن الكبرى.
([12]) رواه البيهقي في السنن الكبرى.
([13]) رواه أبو داود في كتاب الخراج ، باب فِى تَعْشِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اخْتَلَفُوا بِالتِّجَارَاتِ .