الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
سيادةَ الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسَ جمهورية مصرَ العربية
السيدُ المهندس شريف إسماعيل رئيسَ مجلس الوزراء
فضيلةَ الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخَ الأزهر
الحضورُ الكريمُ
يطيب لي أن أهنئ حضراتِكم جميعًا بهذه المناسبة العظيمة ليلةِ نزول القرآن الكريم ، لنكرّمَ في احتفالنا بها أهلَ القرآن ، أهلَ الله (عز وجل) وخاصتَه ، سائلين الله سبحانه أن يبلغنا إياها ، وأن يجعلنا من أهلها ، وأن يرزقنا إخلاصَ النيةِ ، وحسنَ الفهمِ ، وصدقَ العمل ، ذلك أن الله (عز وجل) لا يقبلُ من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه ، موافقًا لشريعته وسنةِ نبيهِ (صلى الله عليه وسلم) ، وأن محاولاتِ توظيفِ بعضِ الجماعاتِ المتطرفةِ التي تفهم الإسلامَ فهمًا خاطئًا ، وتفسرُهُ تفسيرًا أيدلوجيًا لخدمة مصالحها الخاصة خرجتْ حتى بكثير من صور العبادات عن جوانبها الإيمانية والتعبدية إلى محاولاتِ توظيفٍ سياسي لا علاقة لها بجوهر الدين ولا بروحه الصافية، حتى وصل الأمر إلى قتل المتطرفِ أخاهُ أو والديه جهلا وتطرفا وافتراء على الله ورسوله وعلى شريعتنا السمحاءِ حجة أنهم لا يصلّون أو لا يصومون ، مع أنه لا يوجدُ في الإسلام قتلٌ على مجرد ترك الشعائر أو حتى على المعتقد وليس لشخص أن يحاسب آخر على ذلك ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” ، ويقول سبحانه : “وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ “، فمن أراد أن يحمل الكون على محمل واحد فهو معاكس لسنة الله (عز وجل) في كونه ، وعندما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) امرأة كافرة مسنّة مقتولة في ساحة القتال قال (صلى الله عليه وسلم) : “من قتلها؟ ما كانت هذه لتقاتل!” .
غير أنّ هذه الجماعاتِ المتطرفةَ تلوي أعناقَ النصوص بما يخرجها عن سياقها ومغزاها ومقاصدها الكلية ، مما يحتم علينا أن نجعل الأولوية لفهم النص القرآني والنص النبوي لا لمجرد حفظهما ، وهو ما نحاول ترسيخَه من خلال البرامج الدعوية وبرامجِ التدريبِ المتنوعةِ ، ومراكزِ الثقافةِ الإسلاميةِ التي بلغت عشرةَ معاهد هذا العام ، وسيتمُ تعميمُها في جميع محافظات مصر، بل سنفتتحُ بعضَ مراكزِ التدريب ببعض الدول الإسلامية مستهل العام الدراسي المقبل بإذن الله تعالى .
هذا إلى جانبِ مكاتبِ تحفيظِ القرآن الكريم العصريةِ التي تَهْدِفُ مع تحفيظ القرآنِ الكريمِ إلى فهم قيمه وأخلاقه ، وتربية النشء على القيم الإنسانية السوية، والانتماء الوطني وفقه العيش الإنساني المشترك ، مع التحذير من الجرأة على دين الله والفتوى بدون علم ، وبيان أن معرفةَ بعضِ الأحكام الجزئيةِ لا تخولُ لصاحبها حقَّ الإفتاءِ أو الخوضِ في دين الله (عز وجل) دون إلمامٍ بفقه المقاصد ، وفقه المآلات ، وفقه الأولويات ، وفقه الواقع ، وفقه المتاح ، وحالاتِ وضوابطِ تغيّرِ الفتوى بتغيّرِ الزمان أو المكان أو حالِ المستفتي.
وإذا أردنا أن نضع ضابطا عقليًّا ومنطقيًّا عامًّا لما يمكن أن يأخذَ الإنسانَ إلى طريق النجاة أو يأخذَه إلى طريق الضلال والهلاك ، فإننا نستطيع أن نقول وباطمئنان تام : إن كل ما يأخذُ أو يؤديْ إلى الرحمة والتسامح ، والبناء والتعمير ، والعمل والإنتاج ، وعمارة الكون وحب الخير للناس ، والحفاظ على أمن الأوطان ووحدتها ، وسلامتها وقوة بنيانها ، يأخذكُ إلى صحيح الإسلام , وكلَّ ما يأخذُ الإنسان في اتجاه العنف أو التشدد أو التطرف أو الفساد أو الإفساد يأخذه إلى ما يناقض الإسلام , بل ما يناقض الأديان والفطرة الإنسانية السوية , حتى لو تزيّا بألف ثوب وثوب من أثواب التدين الكاذب أو التدين السياسي أو التدين الشكلي , أو تستر بمعسول القول وفصيح الكلام وبليغه.
وختاما نؤكد أن تصحيحَ المفاهيمِ الخاطئةِ وبيانَ صحيحِ الإسلامِ ونشرَ منهجه الوسطي السمح وإبرازَ قيمهِ الإنسانيةِ والحضاريةِ يعدُّ من ألزم واجباتنا.
وقبل أن أختم حديثي أود أن أشيد سيادةَ الرئيس بلمستكم الإنسانية وتوجيهكم الكريم بتكريم الطفل/ عبدالله عمار محمد السيد ، المتميز في حفظ القرآن الكريم ، بما يذكرنا بقول شوقي في حقِّ أبناء الأزهر الشريف المكفوفين:
نظـــرًا وإحسانًـــــا لعل كفيفهم يوما يكـــون أبا العــلاء المــبصرا
لو تشتريه بنصف ملكك لم تجـد غبنًا وجل المشتري والمشترى
لمسوا نداك كمن يشاهدُ مزنة ويدُ الكفيف وراءهــا عيــن تـــرى
واسمحوا لي سيادة الرئيس أن أقدم لسيادتكم هديةَ وزارة الأوقاف وهي كتابْ : “حماية الكنائس في الإسلام” مع ترجماته إلى اثنتي عشرةَ لغةً من إصدارات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية ، لنرمز باختيارنا لهذا الكتاب في هذه المناسبة القرآنية إلى عظمةِ الإسلام في تعامله مع الآخر واحترامه لعقيدته ولاختياره الديني ، وكلَّ عامٍ وحضراتُكم جميعًا بخير وسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،