برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وامتدادًا لجهود الوزارة في تجديد الخطاب الديني ، ونشر تعاليم الإسلام الوسطي السمح لمواجهة الفكر المتطرف ، يتواصل البث التليفزيوني للأمسيات الدينية من المساجد الكبرى حيث أُقيمت أمس الثلاثاء 16 رمضان 1437هـ الموافق 21- 6 – 2016 م ” الأمسية الرمضانية السادسة عشرة ” من مسجد النور بالعباسية تحت عنوان : ” حق الجار “.
وحاضر فيها فضيلة الشيخ / عباس فتح صالح إمام مسجد النور بالعباسية ، وقدم لها الإعلامي الكبير/ خالد سعد ، بحضور نخبة من قيادات وشباب علماء الأوقاف عــلى رأسهم فضيلة الدكتور/ نوح العيسوي مدير عام بحوث الدعوة ، وفضيلة الدكتور أشرف فهمي مدير عام المتابعة ، وفضيلة الشيخ/ عبد الخالق عطيفي مدير الدعوة بأوقاف القاهرة ، وفضيلة الشيخ/ محمد مبروك الشيلاني ، ولفيف من قيادات الأوقاف ، ورواد المسجد .
وفي كلمته أكد فضيلة الشيخ / عباس فتح صالح إمام مسجد النور بالعباسية أن القرآن الكريم عظَّم أمر اﻹحسان إلي الجار ، فقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء:36] ، مشيرًا إلى أن الإسلام جعل حسنَ معاملة الجار وإكرامَه من الإيمان، فَعن ْأَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ (رضي الله عنه) قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ ، حِينَ تَكَلَّم َالنَّبِيّ ُ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) َفَقَالَ : (مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ).
ولهذا كان كثيرًا ما ينزل الوحي على النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصي بالجار حتى ظنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الله (عز وجل) سيشرع ميراثًا بين الجيران من شدة الوصية بهم ، فعن عَائِشَةَ (رضي الله عنها ) قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم ) يَقُولُ: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ).
كما أكد فضيلته أن من حقوق الجار تفقد حاله لا سيما الفقير وذو الحاجة ، وهذا من الإيمان والمروءة ، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):” لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ” (الأدب المفرد للبخاري)، فالإحسان إلى الجار يشمل كل وجوه الخير ، فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْن ِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما ) عَنْ رَسُول ِاللَّه ِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْه ِوَسَلَّمَ ) أَنَّهُ قَالَ : (خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْد َاللَّهِ تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ ، وَخَيْر ُالْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ) ، فالإحسان إلى الجار دليل على صدق الإيمان بالله تعالى ، وعلى التخلق بمكارم الأخلاق وعلى كمال العقل ورجاحته، مشيرًا إلى أن من حقوق الجار : تحمل الأذى منه ، فكما قال الحسن رحمه الله: ” لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفّ َالْأَذَى ، وَلَكِنَّ حُسْنَ الْجِوَارِ احْتِمَالُ الْأَذَى” ، فتَحَمُّلُ أذى الجار من شيم الكرام ذوي الأخلاق الكريمة والهمم العالية ، إذ يستطيع كثيرٌ من الناس أن يكفّ أذاه عن الآخرين ، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية : قال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[الشورى:43]، وقال الله تعالى: {َلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت: 34] ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) القدوة والمثل فقد آذاه أهله وجيرانه إبّان البعثة النبوية المباركة، فما زاده ذلك إلا حلمًا وعفوًا .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن الإحسان إلى الجار عبادة بينك وبين الله تعالى، فلا تتعلل بسوء معاملته ، فإن أجرك على الله تعالى ، فقد رُوي أن رجلا جاء إلى ابن مسعود (رضي الله عنه) فقال له : إن لي جارًا يؤذيني ويشتمني ويضيق عليّ ؟ فقال:” اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه” (إحياء علوم الدين)، ذلك لأن الإحسان يغلب الإساءة والصلة تَجُبُّ القطيعة، وقد يكون للجوار بعضُ الأمور التي يكون فيها بعض تجاوز دون إلحاق ضرر فلا حرج في ذلك، فالتعامل فيها يكون بالفضل ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ(رضي الله عنه )أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ) (متفق عليه).