:أخبار الأوقافأوقاف أونلاين

الأوقاف :
تخصيص خطبة الجمعة القادمة 21 / 8 /2015م
للحديث عن ضرورة محاربة الفساد والإهمال

awkaf

   تؤكد وزارة الأوقاف أنها في إطار الواجب الديني والوطني قد خصصت خطبة الجمعة القادمة 6 من ذي القعدة 1436 هــ الموافق 21/8/2015م للحديث عن محاربة الفساد والإهمال و بيان أن القضاء عليهما واجب شرعي ووطني .

    وهذا موضوع الخطبة ونصها بعد التحديث وإضافة محاربة الإهمال إلى محاربة الفساد .

محاربة الفساد والإهمال

مطلب شرعي وواجب وطني

6من ذي القعدة 1436هـ  الموافق 21 من أغسطس 2015م

أولاً: العناصر:

  1. الإصلاح ضرورة شرعية وغاية إنسانية.
  2. الإصلاح والإيمان والتقوى قرناء.
  3. تحذير الإسلام من الفساد بكل أشكاله وأنواعه.
  4. من صور الإفساد في الأرض.
  5. ضرورة التصدي للمفسدين.
  6. الإهمال لون من أخطر ألوان الفساد.

ثانيًا : الأدلة:

الأدلة من القرآن الكريم:

  1. قال تعالى: :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ *وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204، 205، 206] .
  2. وقال تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 56] .
  3. وقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ*أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12].
  4. وقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة:33].
  5. وقال تعالى:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف: 142].
  6. وقال تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. [هود: 116-117].
  7. وقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77].
  8. وقال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] .

 الأدلة من السنة الشريفة:

  1. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ) فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ. (سنن ابن ماجه )
  2. وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ( رضي الله عنهما ) أن النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) . ( رواه البخاري في صحيحه)
  3. وعَنْ ثَوْبَانَ (رضي الله عنه) قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ” الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ ” يَعْنِي: الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا  . (رواه الإمام أحمد في مسنده).
  4. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يَقُولُ: « لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» (رواه ابن ماجه في سننه).
  5. وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (رضي الله عنهما) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: ” يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ” (مسند أحمد) .

  ثالثا: الموضوع:

       لقد جاءت الرسالات السماوية بتوجيهات وأحكام للناس تهدف إلى إصلاح الأرض وحفظ مقوماتها ، ولن يتمكن الإنسان من أداء المهمة العظيمة التي خلق من أجلها وهي العبادة حتى يقوم بمهمة المحافظة على صلاح الأرض وإصلاحها .

والمتأمل لآيات الإصلاح في القرآن الكريم يجد أن كلمة الإصلاح وردت بمشتقاتها في القرآن الكريم حوالي مائتي مرة , والإكثار من ذكر الشيء يدل على العناية به، ويدل كذلك على شرفه وعلو مكانته.

       إن الإصلاح مطلب شرعي ، أمر الله (عز وجل ) به الأنبياء (عليهم السلام) فأمروا به أقوامهم ، فرسالة الأنبياء جميعا (عليهم السلام ) هي إصلاح الفرد والأرض : فهذا نبي الله صالح (عليه السلام)  ينادي  في قومه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ *وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) [الشعراء:150-152].

      وهذا نبي الله شعيب (عليه السلام)  يقول لقومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [العنكبوت:36] ، ثم وضح لهم حقيقة دعوته وأنها دعوة للإصلاح فقال : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].

      والإصلاح وصية نبي الله موسى ( عليه السلام ) لأخيه هارون ( عليه السلام ) حيث يقول له: (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف:142].

      ولم يبخل نبي الله موسى ( عليه السلام ) بالنصيحة لقارون الذي فُتن بماله واستغله في الإفساد         في الأرض فقال له: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77].

       لقد ربط القرآن الكريم بين الإيمان بالله ( عز وجل ) والإصلاح قال تعالى: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأنعام:48]، وبين التقوى والإصلاح كقوله تعالى: (فَمَن اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف:35]، وبين التوبة والإصلاح كقوله تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} [البقرة:160]، وقوله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا} [النساء:16] ، وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:5] ، فالإصلاح إذا هو ثمرة الإيمان والتقوى والتوبة .

      ومن فوائد الإصلاح التي أخبر عنها القرآن الكريم أنه يستجلب رحمة الله ومغفرته، قال تعالى: {وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء:129] ، وأنه سبب لنجاة الأمم من الهلاك والضياع ، قال سبحانه: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. [هود: 116-117].

       إذاً فالإصلاح مطلب شرعي وضرورة إنسانية يقتضيها العقل، وهو مسئولية الجميع .

     وإن من الإصلاح أن يعي الفرد ماله وما عليه ، فلا يعتدي على حقوق الآخرين ، وأن يدرك الفرد واجباته فيقوم بها خير قيام في حدود طاقته و وسعه، وهذه صفات الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم ) في قوله : ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) (رواه الإمام مسلم في صحيحه).

       وكما أمر الإسلام بالإصلاح وجعله مطلبا شرعيا وضرورة إنسانية حذر كل التحذير من الإفساد في الأرض حسيًّا كان أو معنويًّا ، باليد كان أو باللسان ، والفساد هو كل قول أو فعل أو تصرف أو سلوك خالف تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو  إلى الإصلاح في الأرض.

       وفي القرآن الكريم ورد التحذير الشديد من الفساد والمفسدين ، فلقد ورد لفظ (الفساد) في أحد عشر موضعا من ثمان سور, وورد لفظ ( المفسد ) في موضع واحد من سورة البقرة , وورد لفظ (المفسدون) أو (المفسدين) في عشرين موضعًا من اثنتي عشرة سورة , وورد لفظ (يفسدون) في خمسة مواضع من خمس سور ، من هذه المواضع قال تعالى: { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}[الأعراف: 56], وأخبر المولى (جل جلاله ) أنه لا يحب الفساد ولا المفسدين ، قال سبحانه: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205], وقال: {وَاللَّـهُ لَا يُـحِبُّ المُفْسِدِينَ}[المائدة: 64], وقال:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِين}[القصص: 77].

     وأخبر القرآن الكريم أن الله ( عز وجل ) يبطل أعمال المفسدين ويخيّب آمالهم , قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ) [يونس: 81]. فكل مفسد ـ وإن ادّعى صلاحًا ـ عمل عملا بمكر ودهاء منه ، فإن عمله سيبطل ، وإن تحقق لعمله الفلاح بعض الوقت ، فهو فلاح مؤقت ، فإن مآله المحق وعدم الصلاح , وهذا هو حال المنافق المفسد المدعي الإصلاح ، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12].

     وبفساد الإنسان تفسد البيئة , قال تعالى: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41], وذلك بظهور الأسقام ونقص الثمار، ومحق البركة من كل شيء.

     وقال تعالى في كتابه العزيز: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ), وعبر بكلمة (تَعْثَوْا) وهي أشد أنواع الفساد , أي :لا تفرطوا في الإفساد ولا تفسدوا دنياكم بالتمادي في المعاصي . فالفساد في الأرض هو خلق اللئام من البشر, لا يتخلق به إلا المنافقون واليهود المغضوب عليهم,الذين قال الله فيهم:(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) [المائدة: 64], أي يجتهدون       في الكيد للإسلام وأهله, وإثارة الشر والفتنة فيما بينهم .

     وللفساد صور متعددة أخطرها ما كان في العقيدة والفكر والتصور والإدراك ، وكل ما كان باسم الدين ، فقد ابتليت الأمة بأناس يفسدون في الأرض ويتدثرون بثياب الدين والدين منهم براء ، فيقتلون ويستبيحون الأعراض والأموال باسم الدين ، فهؤلاء ذمهم الله عز وجل في كتابه فقال عنهم : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }[البقرة: 204 :206] .

     إن الفسادَ بكل صوره وأنواعه يُزعزِعُ القِيَم الأخلاقيَّة ، وينشُر السلبيَّة وعدمَ الشعور بالمسؤولية، والشعورَ بالظلم، مما يُؤدِّي إلى حالاتٍ من الاحتِقانِ والحِقدِ والتوتُّر والإحباط واليأسِ من الإصلاح، ويضعُفُ الولاء الصادق للحق وللأمة وللدولة، و يُهدِّدُ الترابُط الأخلاقيَّ، وقِيَم المُجتمع الحميدة المُستقرَّة. والفسادُ داءٌ مُمتدٌّ لا تحُدُّه حدودٌ، ولا تمنعُه فواصِلُ، يطَالُ المُجتمعات كلَّها بدرجاتٍ مُتفاوِتة ، ولابد من التصدي للفساد والمفسدين بكل صوره ، فالتصدي له فيه نجاة للمجتمع كله ، وإهماله وعدم التصدي له فيه الهلكة للمجتمع كله ، قال (صلى الله عليه وسلم ): ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ) (أخرجه البخاري في صحيحه) فلابد من التآزر والتعاون والتناصر والتضامن بين المسلمين وتحقيق الإيمان والأخوة الإسلامية.

     إن الله تعالى قرن بين النفاق والإفساد في الأرض، فقال تعالى – في سياق حديثه عن المنافقين-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ*أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12]، فكيف بك أيها المفسد وأنت تسير في طريق المنافقين توشك أن تصل إليهم في الدرك الأسفل من النار؟!!

     إن تطهير الأرض من المفسدين وتأمين الطرق والمنشآت وحمايتها من المفسدين من أعظم أعمال الخير  وأجل أنواع البر ، فالله (عز وجل) يدفع بالمصلحين فساد المفسدين ، وقال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) [هود: 116]. وإن المفسد مِعول هدم للمجتمع, فلا نجاة للعباد إلا بمنعه من الفساد.

     والتصدي للفساد مسئوليَّةُ الجميع أيضاً ، وأول صور التصدي للفساد عدم قبوله ورفضه وبيان خطورته على الفرد والمجتمع ، فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ  (رضي الله عنه )أَنَّ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) قال : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قال : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) ( أخرجه مسلم في صحيحه).

     ومن صور التصدي للفساد تفعيل القوانين الرادعة لكل مفسد ، وكما قال سيدنا عثمان بن عفان ( رضي الله عنه): ( إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن ).

     إن من أعان المفسدين أو رضي بأفعالهم أو تستر عليهم وخاصة من يفسد باسم الدين فهو شريك لهم في الإثم ، وقد نهى الله (تعالى) عن ذلك بقوله : {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ}[المائدة:2]. وفي الحديث: أن رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قال : (إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَذَّبَ اللهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ) ( أخرجه أحمد في المسند).

     على أننا نؤكد على ضرورة القضاء على الإهمال ، وبيان أنه لا يقل خطورة عن سائر ألوان الفساد , فضياع المال إهمالا كضياعه فسادًا أو إفسادًا , وقتل النفس نتيجة الإهمال كقتلها فسادًا أو إفسادًا , لأن المحصلة واحدة هي ضياع المال أو قتل النفس , مما يتطلب من كل واحد منا القيام بواجبه على أكمل وجه , ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ” (رواه البخاري), كما أنه مسئول عما استعمله الله (عز وجل) عليه ، وولاه إياه ، فعليه أن يؤدي الأمانة التي تحملها على الوجه الأكمل مرضاة لله ورسوله ووفاء بالمسئولية التي تولاها ، والأمانة التي تحملها ، والوطن الذ ائتمنه عليها.

اظهر المزيد

منشور حديثّا

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى