الغني المغني
الغني المغني
الغني المغني هو الله، وما سواه مفتقر إليه، حيث يقول: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ” (فاطر:15)، ويقول (عز وجل): “لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ” (الحج: 64)، ويقول سبحانه: “هَا أَنتُمْ هَـؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم” (محمد: 38)، ويقول سبحانه: “الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ” (الحديد: 24)، ويقول سبحانه: “قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ” (البقرة: 263)، ويقول جل في علاه: “فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” (آل عمران: 97).
واقترن اسم الله عز وجل “الغني” باسمه “الحميد”؛ لأن الله سبحانه هو الغني عن خلقه المستحق للحمد في ذاته،النافع خلقه بغناه، وليس كلُّ غنيٍّ نافعًا بغناه، إلا إذا كان الغني جَوَادًا مُنعِمًا، فهو سبحانه وتعالى المستحق للحمد بذاته، وهو المستحق للحمد بإنعامه على خلقه، يقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة سبحانه يقول: “يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ” (صحيح مسلم).
على أنه سبحانه وتعالى لا تنفعه طاعة من أطاع ولا تضره معصية من عصى، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، حيث يقول سبحانه: “إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا” (الإسراء: 7)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) شَيْخًا يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ، فَقَالَ: “مَا شَأْنُ هَذَا؟” قَالَ ابْنَاهُ: نَذْرٌ، يَا رَسُولَ اللَّهِ (وكان قد نذر أن يحج ماشيًّا)، قَالَ: “ارْكَبْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ”(سنن ابن ماجه).
وهو وحده المغني المعز المذل، الخافض الرافع، حيث يقول سبحانه: “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (آل عمران: 26)، يهب ما يشاء لمن يشاء متى شاء، وينزع ما يشاء عمن يشاء متى شاء.
ومن يستغن ويأخذ بأسباب الغنى يغنه الله (تعالى) من واسع فضله، فعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: “كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) يومًا قال: يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” (سنن الترمذي).
وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول في دعائه: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى” (سنن ابن ماجه)، ويقول (صلَّى الله عليه وسلَّم): “اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ” (المستدرك للحاكم).
وهو سبحانه المعز المذل، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، وقد قال نبينا (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) لسيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه): ألا أُعلِّمُك دعاءً تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيْنًا لأدَّاه اللهُ عنك؟ قُلْ يا معاذُ: “اللَّهمَّ مالِكَ الملْكِ تُؤتي الملكَ من تشاءُ، وتنزِعُ الملكَ ممَّن تشاءُ، وتُعِزُّ من تشاءُ، وتُذِلُّ من تشاءُ، بيدِك الخيرُ، إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ، رحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمَهما، تعطيهما من تشاءُ، وتمنعُ منهما من تشاءُ، ارحَمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ من سواك” (المعجم الصغير).
فالغني من الخلق من أغناه الله بالقناعة والرضا، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “يا أيُّها النَّاسُ إنَّ الغنَى ليس عن كثرةِ العرَضِ، ولكنَّ الغنَى غنَى النَّفسِ، وإنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يؤتي عبدَه ما كتب له من الرِّزقِ، فأجمِلوا في الطَّلبِ خُذوا ما حلَّ، ودعوا ما حُرِّم” (صحيح البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” (سنن الترمذي)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه” (صحيح مسلم).
والعزيز من الخلق من أعزه الله، حيث يقول سبحانه: “وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ” (المنافقون: 8)، فلا عزَّ فوق عزِّ الإيمان، وعزِّ الطاعة، ولا ذلَّ فوق ذلِّ المعصية.