الضعيف والقوي
الضعيف والقوي
العلاقة بين الضعيف والقوي ، بين الصغير والكبير، بين الولد والوالد، والأخ وأخيه، والمعلم وطلابه، والأستاذ الأكاديمي وأبنائه الباحثين، وبين الموظفين في درجاتهم الوظيفية، بين من هو في موضع الحاجة أو الضعف، ومن هو في موضع القوة أو يملك من أمر الضعيف أو الصغير شيئًا، قلَّ أو كثُر، يجب أن تكون علاقة حقوق وواجبات، علاقة مودة وتراحم.
ففي الوقت الذي يأمرنا فيه ديننا الحنيف باحترام الكبير والدًا كان، أم مربيًا، أم معلمًا، أيًّا كان نوع هذا التعليم دينيًّا، أو حرفيًّا، أو مهنيًّا، أو أكاديميًّا، فإن للصغير والضعيف حقًّا، وللمعلم والكبير حقًّا، ولتحقيق هذا التوازن العظيم يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرَنا، ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ”، غير أنه يوصي أكثر بالضعفاء، فيقول (صلى الله عليه وسلم): “وَهَل تُرزَقونَ وتُنصَرونَ إلَّا بضعفائِكُم”.
وعلينا أن نضع نصب أعيننا دائمًا قول الله تعالى: “كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ” (النساء: 94)، فعلى الأستاذ ألا ينسى يوم أن كان طالبًا، وما كان ينتظر من معلمه، وعلى كل موظف في درجة أعلى أن يتذكر يوم أن كان موظفًا في بداية سلمه الوظيفي وما كان ينتظر من رؤسائه في العمل، وعلى الأستاذ الأكاديمي أن يتذكر يوم أن كان طالبًا أو باحثًا وما كان ينتظر من مشرفه، وهكذا في سائر الأمور والمهن، ومن كان حظه غير حسن معلمًا أو أستاذًا أو غيره فلقى مشقة أو تعنتًا ألا يكرر تلك التجارب المُرة، بل عليه أن يضرب المثل في الحق والعدل والخير والمروءة، وأن يصحح المسار الذي رآه خاطئًا، ولا ننسى أن صغير اليوم سيكون كبير الغد، وأن ضعيف اليوم قد يكون قوي الغد .
ثم إن علينا ألا ننسى لأصحاب الفضل فضلهم، حيث يقول الحق سبحانه: “وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ” (البقرة: 237)، كما أن علينا أن نحفظ الجميل لكل من أحسن إلينا، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ أتى إليكُمْ معروفًا فَكَافِئُوهُ، فإنْ لمْ تَجِدُوا، فَادْعُوا لهُ حتى تعلمُوا أنْ قد كَافَأْتُمُوهُ”، وحفظ العشرة وصيانة الجميل دليل وفاء الإنسان، وكرم أصله ومعدنه، وحسن تديُّنِه.
وقد كان نبيُّنا (صلى الله عليه وسلم) وفيًّا لأهله ولأصحابه، فبعد أن فقد النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) أمه اعتنت به حاضنته أم أيمن بركة الحبشية، فكانت له نعم الأم بعد أمه، حتى إذا بلغ (صلى الله عليه وسلم) أشده أعتقها، ويعبر عن وفائه لها فيقول (صلى الله عليه وسلم): “إنها بقية أهل بيتي” .
وكان (صًلى الله عليه وسلم) قد تربى في بيت عمه أبي طالب، فلما ماتت زوجة عمه (فاطمةُ بنتُ أسَدِ بنِ هاشمٍ) أمُّ عليٍّ (رضِيَ اللهُ عنه) دخَل عليها رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) فجلَس عندَ رأسِها، فقال : “رحِمَكِ اللهُ يا أمِّي كنْتِ أمِّي بعدَ أمِّي”، وتأتيه (صلى الله عليه وسلم) عَجُوزٌ، فيحسن إليها أعظم الإحسان، ويكرمها أشد الإكرام، وعندما تسأله السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن ذلك، يقول (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ”.
وفي يوم بدر يتذكر (صلى الله عليه وسلم) المُطْعِمَ بن عَدِيٍّ، ذلك الرجل الذي دخل النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) مكةَ في جواره بعد عودته من رحلة الطائف، فيقول (صلى الله عليه وسلم): “لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ – يقصد أسرى يوم بَدر – لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ”.