الحسيب الوكيل
الحسيب الوكيل
الحسيب الكافي هو الله (عز وجل) وحده، حيث يقول سبحانه: “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا”، أي: وكفى به (عز وجل) حافظًا وعاصمًا، ويقول سبحانه: “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.
أما الوكيل (سبحانه) فهو الكافي والحفيظ والكفيل، فالكافي هو الله (عز وجل)، والحفيظ هو الله (عز وجل)، والكفيل بأمور خلقه هو الله (عز وجل)، يقول سبحانه: “وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا”، ويقول سبحانه: “وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا”، ويقول سبحانه: “ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ”، ويقول سبحانه: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ”.
وقد حثنا الحق سبحانه وتعالى على حسن التوكل عليه، وتفويض الأمور كلها إليه، وجعل التوكل عليه من صفات المؤمنين به، فقال سبحانه: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”، ويقول سبحانه: “وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”، وكيف لا يتوكل المؤمن على الوكيل (عز وجل) وهو الكافي لمن توكل عليه، وفوض أمره إليه، وقد قالوا: من اعتمد على ماله قلَّ، ومن اعتمد على عقله ضلَّ، ومن اعتمد على جاهه ذلَّ، ومن اعتمد على الناس ملَّ، ومن اعتمد على الله (عز وجل) فلا قلَّ ولا ملَّ ولا ضلَّ ولا ذلَّ.
على أن ثمَّة فرقًا بين التوكل والتواكل، فالتوكل على الله (عز وجل) يقع في منطقة وسط بين الشطط في الأسباب والتعلق المطلق بها، ويبنى على الأخذ بالأسباب بقوة وجدية، وهمة وعزيمة، مع تفويض أمر النتائج لله (عز وجل).
والناس في هذه القضية ثلاثة أقسام فريق يكاد يعطل الأسباب، ولا يحسن التوكل، فهؤلاء نقول لهم ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): “لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة”، كما نذكرهم بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لو توكلتم على الله (عز وجل) حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا”، أي تذهب شديدة الجوع وتعود ممتلئة البطون، فهي تعمل وتتحرك وتأخذ بالأسباب، تغدو وتروح، ولا تجمد في مكانها وأعشاشها وتقول : اللهم ارزقني أو أمطر عليَّ حبَّك ورزقك.
أما الفريق الثاني فيسرف في اعتماده على الأسباب، ظانًا أو متوهمًا أن الأسباب تؤدي بطبيعتها إلى النتائج، غير مدرك أن للكون خالقًا قادرًا حكيمًا يقول للشيء كن فيكون، يُجري أسبابه حيث يريد، ويوقف جريانها حيث يريد “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ”.
وأما الفريق الثالث فهو من شرح الله صدره للإسلام علمًا وفقهًا وفهمًا وتطبيقًا، فيأخذ بأقصى الأسباب ثم يفوض أمره لله، راضيًا بما يقسمه له من نتائج، طالما أدى الذي عليه من أخذ بالأسباب، مدركًا أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، متوكلًا حق التوكل على الوكيل سبحانه وتعالى: “رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا”.