القدوس السلام
القدوس السلام
القدوس الجامع لكل صفات الكمال والجمال، شديد التنزه عن كل عيب أو نقص، المستحق للعبادة والتقديس دون سواه، فلا نِدَّ ولا نظير ولا شبيه ولا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، والسلام هو الذي سلمت ذاته وصفاته وتنزهت عن أي عيب أو نقص، فيجب في حقه سبحانه وتعالى كل كمال يليق بذاته المقدسة وصفاته وأسمائه، ويستحيل في حقه سبحانه أي نقص أو عيب، فاسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات لله (عز وجل) كما يتضمن تنزيهه سبحانه عن جميع النقائص.
يقول سبحانه: “هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (الحشر: 22-24)، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) إذَا انْصَرَفَ مِن صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقالَ: “اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ”، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول في ركوعه وسجوده: “سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلَائِكَةِ والرُّوحِ”.
السلام هو الذي سلمت أفعاله عن الشر المطلق المراد لذاته، لا لخير حاصل في ضمنه أعظم منه، حيث يقول سبحانه: “مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ” (النساء: 79)، ويقول سبحانه: “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ” (الشورى: 30-31).
يقول الإمام البيهقي (رحمه الله) مَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكَ: اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكِ، وَالسَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فكأنه يُقَالُ: اسْمُ اللهِ عَلَيْكَ وَتَأْوِيلُهُ لَا خَلَوْتَ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكاتِ، وَسَلِمْتَ مِنَ الْمَكَارِهِ وَالْمَذَامِّ، إِذْ كَانَ اسْمُ اللهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى الْأَعْمَالِ تَوَقُّعًا لِاجْتِمَاعِ مَعَانِي الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ فِيهِ، وَانْتِفَاءِ عَوارِضِ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ عَنْهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ وهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لِيَكُنْ قَضَاءُ اللهِ عَلَيْكَ السَّلَامُ، وَهُوَ السَّلَامَةُ أَيْ سَلَّمَكَ اللهُ مِنَ الْمَذَامِّ وَالنَّقَائِصِ، فَإِذَا قُلْنَا: اللهُمَّ سَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ، كأنَّمَا نُرِيدُ بِهِ اللهُمَّ اكْتُبْ لِمُحَمَّدٍ فِي دَعَوْتِهِ وَأُمَّتِهِ وذكره السَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ، فَتَزْدَادُ دَعْوَتُهُ عَلَى الْأَيَّامُ عُلُوًّا.
فالله (عز وجل) هو السلام، ومنه السلام، ويحب السلام، وجعل تحيتنا في الإسلام السلام، والجنة هي دار السلام: “لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الأنعام: 127)، وتحية الملائكة لهم فيها سلام: “جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” (الرعد: 23-24) ، وتحية أهلها السلام: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (يونس: 9 – 10).
فما أحوجنا أن نعيش في ظل معنى اسم السلام، بما يحقق السلام للإنسان فيما بينه وبين نفسه، وبينه وبين مجتمعه، وبينه وبين الإنسانية، وبينه وبين الكون كله، مع البشر والحجر والشجر.
وانطلاقاً من مبادئ الإسلام العامة ومقاصده الهامة، لم يقتصر السلام في الإسلام على أهل الإيمان، وإنما صار مبدأ للبشرية قاطبة، لينعموا معًا بالأمن والسعادة، ويحرصوا جميعًا على نشره في الأرض، فلقد جاء في حديث زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”.
فقد وجّه النبي (صلى الله عليه وسلم) حديثه إلى الناس جميعًا لا إلى المسلمين وحدهم ولا إلى المؤمنين وحدهم، وإنما قال (صلى الله عليه وسلم): “أيها الناس أفشوا السلام بينكم”، كما نلاحظ أنه (صلى الله عليه وسلم) قدم إفشاء السلام على إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، تأكيدًا على مكانة السلام وأهميته في أمان الفرد والمجتمع.
أرأيت كيف جاء الخطاب لكل الناس؟! ليس هذا فحسب، بل إن الأقرب من ربه وكرمه وعطفه ووده وبره، هو الأسبق من غيره في بذل السلام وإلقائه وإفشائه، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ”.