m
عندما تغير الثعابين جلودها فإنها تقوم بعملية فسيولوجية محضة ، ربما لا تقصد فيها إلى التنكر ، أما عندما يغّير ثعابين البشر جلودهم فإن الأمر جد خطير ما لم ننتبه له ، وننبه عليه، ونأخذ حذرنا منه ، لأننا نُلدغ حينئذ إما من مأمن ، وإما من خفاء وتنكر .
وبعض من يجيدون التلون والخداع ، ويماسحون مماسحة الثعبان ، ويمكرون مكر الثعلب ، ويقفزون قفز القنفذ ، ويتلونون تلون الحرباء ، في صغار وهوان ، وذلة مقيتة ، ونفوس مريضة ، وبعضهم قد يتقن ذلك لدرجة يصعب تمييزها ، بل قد تظهرهم على عكس ما يبطنون من الحقد والغل على المجتمع وأهله ، وبعض هؤلاء لا يميزهم إلا أصحاب القلوب البصيرة ، والعقول الواعية ، والفكر المستنير ، وبعضهم قد يستعصى كشفه حتى على هؤلاء ، لأنهم مردوا على النفاق حتى صار لهم طبعًا وسجية ، يستحلون الخيانة والكذب ، لأن من يستحلون دماء مخالفيهم وأموالهم لا يمكن أن يعدوا الكذب عندهم حرامًا وإن تفننوا له في ألف اسم واسم ، وهو ما تنتهجه كل الجماعات الإرهابية وصار منهجًا واضحًا للجماعة الأم المعروفة بجماعة الإخوان ، ولا سيما على مستوى القيادات والمنظرين والأعضاء الرسميين ومن يسير في ركابهم ممن يعرفون بالموالين الذين استطاعوا خداعهم وغسل عقولهم .
وهذا يتطلب منا ما يأتي :
- أن نبحث جيدًا في التاريخ الدموي لهذه الجماعة ، وإن كانت قد غيرت بعض استراتيجياتها لبعض الوقت ، فكما قالوا : إنك قد تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت ، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت ، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحدٍ مرتين .
- أن أعداءنا يدركون أنهم لا يستطيعون أن ينفذوا إلى شبابنا إلا عبر وسطاء عملاء خونة من بني جلدتنا يكونون على استعداد لأن يبيعوا أنفسهم حتى للشيطان في سبيل تحقيق مآربهم العاجلة الفانية .
ولا شك أن كل الدلائل تؤكد على تبادل المصالح بين الإخوان وبعض القوى الاستعمارية التي تتخذهم رأس حربة لتفتيت أمتنا العربية وتمزيق كيانها ، وإلا فما سر هذه المناصرة من بعض هذه القوى لتلك الجماعة التي كانت تعدها بالأمس إرهابية ، أو تعد بعض فصائلها على أقل تقدير في عداد المنظمات الإرهابية وتضع بعض قياداتها على قائمة الإرهاب العالمي أو داعمي الإرهاب على أقل تقدير ؟! وما سر هذه الجنسيات التي كانت تمنح لهذه القيادات ولأبنائهم؟
ففي الوقت الذي ظل الإخوان يصدعون رءوسنا فيه بادعائهم الخوف على الدين تارة , وحرصهم على الوطن أخرى , وتصوير أمريكا على أنها الشيطان الأكبر , والغرب على أنه العدو الصليبي، متاجرين بذلك , محاولين إحداث أكبر شرخ في عقول الشباب تجاه تقارب الحضارات والعيش الإنساني المشترك , ذلك التعايش الذي نؤمن به ونسعى للتوافق في إطاره , إذ ما لا يمكن ولا يتصور ولا يقبل ولا يطلب , بل ليس من الإسلام ولا من الإنسانية ولا من أي دين ولا عرف أن يعمل دين أو طائفة أو مذهب معين على إبادة الآخرين أو تدميرهم أو التنكيل بهم .
لقد فوجئنا بهذا الكم الهائل من القيادات الإخوانية التي استولت على أموال العامة والبسطاء والمتبرعين الذين خُدعوا بهم وبشعاراتهم , ليحصلوا من خلالها ومن خلال سفرياتهم المتكررة إلى أوروبا وأمريكا وإثبات ولادة أبنائهم بهذه البلدان على الجنسية الأمريكية أو الأوروبية للاحتماء بها عند اللزوم , فهم كما أكدت مرارًا لا يؤمنون بوطن ولا بدولة وطنية , وإلا فما السر وراء استماتتهم في الحصول على الجنسية الثانية لهم أو لأبنائهم ؟ ولماذا كانت وما زالت هذه الدول تمنحهم وتمنح أبناءهم جنسيتها وهي تعلم من هم , لولا عمالتهم لهذه الدول واستخدامها لهم لتحقيق أغراضهم في المنطقة العربية واتخاذهم رأس حربة لتشويه صورتها من جهة والعمل على تفتيتها وتمزيق كيانها من جهة أخرى ؟!
- أننا ينبغي أن نهتدي بهدي القرآن الكريم وهدي نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) في التعرف على صفات المنافقين وعلى سوء عاقبتهم لنَحذر ونُحذّر ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في شأن المنافقين : ” وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ” ( البقرة : 14 ) ، على أن دور شياطين الإنس في الإغواء أعتى من وسوسة شياطين الجن ، ولذا قدم النص القرآني ذكر شياطين الإنس ووسوستهم وإضلالهم على ذكر شياطين الجن ووسوستهم وإضلالهم ، فقال سبحانه :” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ” ( الأنعام : 112 ) .
على أن أخص صفات المنافقين إنما تتمثل في الكذب والخيانة والغدر ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قَالَ : ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ” (رواه البخاري) ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ” أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ , وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ، فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا” .
ومن صفاتهم الفساد والإفساد ، يقول سبحانه : ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ” (البقرة : 204 :206) .
على أن المنافقين والمتلونين هم الخطر الداهم على المجتمع وعلى الوطن وعلى الأمم، يقول الحق سبحانه في سورة المنافقون : ” وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ” .