*:*الأخبار

وزير الأوقاف يطالب بقانون دولي يجرم ازدراء الأديان

أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

      طالب معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة في رسالته إلى زعماء مؤتمر الأديان الذي يُعقد بجمهورية كازاخستان بالعمل على استصدار قانون دولي يجرم ازدراء الأديان دون أي تفرقة أو تمييز عنصري مقيت ، وذلك في الكلمة التي يلقيها نيابة عنه فضيلة الشيخ/ محمد عز الدين عبد الستار وكيل الوزارة لشئون الدعوة والتي جاء فيها:

        إن دور أمتنا العربية والإسلامية التاريخي في صنع الحضارة الإنسانية لا يُنكر ، وإن آثار مصر العربية والإسلامية والمسيحية و الفرعونية لتقف معبرةً بعظمةٍ وشموخٍ عن دورنا في صنع هذه الحضارة .

       وإذا كان دورنا التاريخي في صنع الحضارة الإنسانية لا يُنكر فإننا نستبشر أملاً جديدًا في إضافة جديدة إلى هذه الحضارة في عصرنا الحاضر , تتمثل في تلك الشرارة التي أطلقها السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني ، وتجاوزت هذا المحور إلى الخطاب الفكري والعقلي والحضاري ، ولاقت قبولاً واستحسانًا منقطع النظير ، ولا أبالغ إذا قلت من خلال مطالعاتي الفكرية و رحلاتي الخارجية : إن كثيرًا من دول العالم يرون في هذه الدعوة المستنيرة رأس الحربة في مواجهة الإرهاب من جهة وتأصيل أسس الحوار الحضاري من جهة أخرى .

     وتتضمن كلمتي لهذا المنتدى محورين هامين ، هما : ضرورة البعد عن التوظيف السياسي للدين ، والعمل من خلال المشتركات الإنسانية التي أجمعت عليها الشرائع السماوية كلها .

      أما المحور الأول : فهو أن العمل على توظيف الدين توظيفًا سياسيًّا أو مذهبيًّا قد حول رسالة الأديان السامية من كونها رسائل رحمة وسلام للعالم كله إلى وقود لصراعات لا تنتهي ، ومن كونها داعمًا لحوار الحضارات إلى كونها سبيلاً لصدام هذه الحضارات ، ومن كونها جاءت عصمة لدماء الناس وأعراضهم وأموالهم إلى كونها وسيلة لسفك الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال ، ومن كونها عامل تقارب والتقاء ودعوة للتعايش السلمي إلى باب للفرقة والخلاف والشقاق والصدام ، فديننا قائم على قبول الآخر والمختلف ، والإيمان بالتنوع وكونه سنة إلهية وكونية ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ” (هود : 118) ، وديننا يحثنا على الإيمان بمن سبق من الرسل واحترام جميع الرسل والرسالات حيث يقول سبحانه : ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ” (البقرة : 285) ، ويقول سبحانه وتعالى : ” شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ” (الشورى : 13)  .

       على أن احترامنا للآخر وإيماننا بهذا التنوع يتطلب أن نقابل بمثل هذا الاحترام لديننا وشعائرنا ومقدساتنا من الآخرين ، وأن نسعى مجتمعين لاستصدار قانون دولي واضح وصريح يحرم الإساءة إلى الأديان والمقدسات دون تفرقة أو تمييز عنصري مقيت لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الصراع بدلاً من التوافق الذي نسعى إليه   .

       وأما المحور الثاني : فهو ضرورة العمل الإنساني المشترك ، إذ لا  شك أن جانباً كبيراً من العنف الذي نشهده على الساحة الدولية إنما يرجع إلى فقدان أو ضعف الحس الإنساني، والأنانية المقيتة ، واختلال  منظومة القيم، مما يجعلنا في حاجة ملحة إلى  التأكيد على الاهتمام بمنظومة القيم الإنسانية، والإيمان بالتنوع الثقافي والحضاري ، والانطلاق من خلال المشترك الإنساني بين البشر جميعاً .

        فقد كرم الحق سبحانه الإنسان على إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بني البشر، فقال (عز وجل) : ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” ، فالإنسان بنيان الرب ، من هدمه هدم بنيانه عز وجل.

        كما أجمعت الشرائع السماوية على جملة كبيرة من القيم والمبادئ الإنسانية ، من أهمها: حفظ النفس البشرية ، قال تعالى:  ” أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ” .

       ولهذا قدَّر نبينا (صلى الله عليه وسلم) للنفس الإنسانية حرمتها، فلما مرت عليه جنازة يهودي وقف لها، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : أليست نفساً ؟!

        ومن القيم التي أجمعت عليها الشرائع السماوية كلها: العدل، والتسامح، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، والصدق في الأقوال والأفعال ، وبر الوالدين ، وحرمة مال اليتيم ، ومراعاة حق الجوار ، والكلمة الطيبة، وذلك لأن مصدر التشريع السماوي واحد، ولهذا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : ” الأنبياء إخوة لعلَّات أممهم شتى ودينهم واحد ”  .

       فقد تختلف الشرائع في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساساً  للتعايش  لم تختلف في أي شريعة  من الشرائع، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ” .

         وأروني أي شريعة من الشرائع  أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين ، أو أكل السحت، أو أكل مال اليتيم ، أو أكل حق العامل أو الأجير .

         وأروني أي شريعة أباحت الكذب ، أو الغدر، أو الخيانة، أو خُلف العهد، أو مقابلة الحسنة بالسيئة .

         بل على العكس فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت على هذه القيم الإنسانية السامية، من خرج عليها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها .

       وفى تعاليم سيدنا عيسى  (عليه السلام) ” من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر” ، فهي دعوة عظيمة للتسامح في كل الشرائع السماوية لكي تعيش البشرية  فى سلام وصفاء ، لا نزاع وشقاق أو عنف وإرهاب .

         وفي الختام أؤكد أن البشرية الآن في حاجة إلى من يحنو عليها من جديد ، ومن يأخذ بيدها إلى طريق الهداية وإلى مكارم الأخلاق ، بالعمل لا بالقول وحده ، وبالحكمة والموعظة الحسنة لا تحت تهديد السلاح ولا حدّ السيف ، استجابة لقوله تعالى : ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ” (النحل:125) .

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى