الجوانب الإنسانية في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)
الجوانب الإنسانية
في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)
كانت حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) مفعمة بالجوانب الإنسانية وبخاصة جانب الوفاء، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) عن سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه): “إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبو بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ”، وهو القائل (صلى الله عليه وسلم) عن أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها): “آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي الله (عَزَّ وَجَلَّ) وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ”.
وبعد أن فقد النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) أمه بعد وفاة أبيه، قامت حاضنته أم أيمن بركة بنت ثعلبة الحبشية (رضي الله عنها) برعايته، فكانت له نعم الأم بعد أمه، حتى إذا بلغ (صلى الله عليه وسلم) سن الرجال أعتقها ورد لها حقها الكامل في الحياة الكريمة، ويعبر عن مشاعره تجاهها ووفائه لها فيقول (صلى الله عليه وسلم): “إنها بقية أهل بيتي”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “هي أمي بعد أمي”.
وكانت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (رضي الله عنها) زوج عمه أبي طالب تكرمه عندما كان في كنف عمه أبي طالب، فلما ماتت كفنها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قميصه، وقال: “لم نلق بعد أبي طالب أبر بي منها”، ونزل قبرها واضطجع فيه.
وحين وقع بنو سعد بن بكر في الأسر جاءت أخت النبي (صلى الله عليه وسلم) من الرضاعة حذافة بنت الحارث بن عبد العزى السعدية (رضي الله عنها)، وقالت: يا رسول الله إني لأختك من الرضاعة فبسط لها رداءه وقال: إِنْ أَحبَبْتِ فَأَقِيميِ عِنْدِي، أَقِيميِ مُكَرَّمةً مُحَبَّبَةً؛ وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ تَرْجِعِيِ إِلَى قَوْمِكِ أَوْصَلْتُكُ، فقالت: بل أرْجِعُ إلى قومي، وأطلق لها قومها، ولم ينس لها النبي (صلى الله عليه وسلم) أنها كانت تحمله صغيرًا عندما كان رضيعًا في بني سعد، وكانت تلاعبه وتقول:
يا ربنا أبق لنا محمدا
حتى أراه يافعا أمردا
ثم أراه سيدًا مسودا
واكبت أعاديه معًا والحسدا
وتظهر إنسانية النبي (صلى الله عليه وسلم) في أرقى صورها حينما وقعت سفانة بنت حاتم الطائي (رضي الله عنها) في الأسر وهي ابنة حاتم الطائي الذي يضرب بكرمه المثل، وقالت للنبي (صلى الله عليه وسلم): يا محمد هلك الوالد وغاب الوافد فإن رأيت أن تُخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي، وكان أبي يفك العاني أي: الأسير، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): هذه صفة المؤمن، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق.
وكان شديد الحب لأحفاده شديد الحفاوة والعناية بهم، فعن أبي بكرة قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) على المنبر والحسن بن علي معه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولما رآه الأقرع بن حابس يقبل الحسن والحسين، قَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ قَالَ: “مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ” وفي رواية: “أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ الله مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ”.
ومن هنا فإن إعلاءنا للقيم الإنسانية ليس أمرًا ثانويًّا أو مجرد أمر إنساني، إنما هو عقيدة وشريعة ودين ندين به لله (عز وجل)، فيجب أن يسود الحس الإنساني الراقي سائر معاملاتنا، فبدل أن تتناحر الأمم والشعوب وتتقاتل ويعمل بعضهم على إفناء أو إضعاف أو إنهاك أو تفتيت بعض، فليتعاون الجميع لصالح البشرية جمعاء، حيث يقول الحق سبحانه: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”.
ولو أن البشرية أنفقت على معالجة قضايا الجوع والفقر والمرض والتنمية معشار ما تنفق على القتال والحروب والتخريب والتدمير، لتحول حال البشرية إلى ما يصلح شئون دينها ودنياها.