لا شك أن الحياء شعبة من شُعب الإيمان ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ” ، وهو خير كله ، والحياء لا يأتي إلا بخير ، وهو قاسم مشترك بين الديانات السماوية والنبوات ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ” ، والتحلي بالحياء دليل على سلامة الحس الإنساني وصفائه .
والحياء من القيم الدينية ، والقيم الأخلاقية ، والقيم الإنسانية ، وهو أقسام : الحياء من الله ، والحياء من الناس ، والحياء من النفس ، فالحياء من الله يقتضي حسن المراقبة لله عز وجل في السر والعلن ، والحياء من الناس يقتضي أن يتحلى صاحبه بالمروءة ، وعدم الإقدام على ما يخدش الحياء قولاً أو فعلاً ، سواء فيما يتصل بالشرف والنزاهة ، أم بالذمة المالية ، أم بالمظهر العام ، وقد عد كثير من الفقهاء المروءة وهي تجنب ما لا يحمد فعله شرطًا من شروط العدالة التي لا تقبل شهادة من يفتقدها .
وهناك الحياء من النفس ، وهو عبارة عن كرم في النفس والطبع ، يجعل صاحبه متحليًا بالمروءة والقيم في سره وعلنه ، بغض النظر عن درجة تدينه ، فهناك أمور لو لم يرد بها دين لتحلى بها أصحاب الطباع السليمة من العفة والطهارة ونظافة اليد ، أو قل ونظافة الظاهر والباطن .
وقد ظهرت في أيامنا الأخيرة بعض الأصوات الشاذة والدعوات الهدامة التي تدعو بلا حياء ولا خجل إلى الفحشاء ، ورب العزة عز وجل يقول في كتابه العزيز : ” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ” ، ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا …” .
ومن الدعوات الهدامة تلك الدعوات التي تدعو إلى خلع الحجاب أو التي ترى أن ممارسة الزنا قبل الزواج أمر شخصي وحرية شخصية ، مما حدا بالقطاع الديني بوزارة الأوقاف المصرية إلى إصدار بيان هام يؤكد فيه أن تلك الدعوات الإباحية والشاذة الهدامة إنما هي خروج على حدود اللياقة والحياء ، وعلى قيمنا الدينية والأخلاقية ، وعاداتنا وتقاليدنا المصرية الأصيلة ، وهي دعوات يرفضها الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه ، لأنه تربى على العفة والطهارة ، ولا يقر الإباحية والشذوذ الجنسي ولا الفكري ولا الانفلات الأخلاقي ، ولا يمكن أن يجني أصحاب هذه الدعوات سوى الاحتقار والازدراء من عموم الشعب المصري .
كما أن هذه الدعوات تشكل خطرًا بالغًا على أمننا القومي ، لأنها تعد أكبر وأهم وقود للتطرف والإرهاب ، وتعطيه ذريعة لوصف المجتمع بما ليس فيه ولا يمكن أن يقره ولا يرتضيه ، على أن الأفكار الشاذة لا تعبر إلا عن شذوذ أصحابها ، وأنهم استثناء شاذ ومنفلت في مجتمع محترم يحترم الدين والأخلاق والقيم والتقاليد المرعية .
وإذا كانت الإحصائيات الصادرة عن مراكز لها وزنها ومصداقيتها تؤكد أن الشعب المصري من أكثر شعوب العالم تدينًا إن لم يكن أكثرها على الإطلاق ، فإن مثل هذه الظواهر الاستثنائية الشاذة لا يمكن أن تنال من تدينه ولا من تمسكه بدينه ، لكنها قد تضع نقطة سوداء في وجهه الحضاري الناصع تحتاج من الوطنيين المخلصين الانشغال بإزالتها ومعالجة آثارها في الداخل والخارج في وقت نحن أحوج ما نكون إلى جهود كبيرة للتعمير والبناء بدل أن نستنفد الجهد كله في مواجهة الهدامين , سواء أكان ذلك صادرًا منهم بقصد أم بدون وعي ، وتوّج ذلك بخطبة الجمعة اليوم 8 / 5 / 2015م عن موضوع ” الحياء خير كله ” ، التي تؤكد أن الحياء معيار الأخلاق الحسنة وعلامتها ؛ بل هو رأس مكارم الأخلاق ، كما يقول النبي (صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ): ” إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا ، وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ ” وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها ) قالت : (رأس مكارم الأخلاق الحياء) .
فالحياء جامع لكل خصال الخير ، يدفع الإنسان إلى فعل المحاسن ويبعده عن القبائح ، ما اتصف به مسلمٌ إلا حاز الخير الكثير، وابتعد به عن الشر المستطير ، ونال به الثواب العظيم ، وصدق النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) حيث قال : ” الْحَيَاءُ لاَ يأتي إِلاَّ بِخَيْرٍ” .
بل إن الحياء يرتبط بالإيمان ، فإذا غاب الحياء غاب الإيمان ، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ” الحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا ، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ ” .
فمن الحياء أن يحرص المسلم على سمعته ، فلا يقول أو يفعل ما يلوث سمعته ، ويعرضه للسخرية والأقاويل المغرضة ، وكذلك : محافظة المرأة المسلمة على كرامتها وحشمتها ، ومراقبة ربها ، وحفظها حقَ زوجها ، والبعد عن مسالك الريبة ومواطن الرذيلة ، فحياء المرأة هو سياجها وحصنها وحماها الذي تحمي به شرفها ، وتصون به عرضها ، وتحفظ به سمعتها وكرامتها .
أما ضعف الحياء في نفوس الناس فيؤدي إلى انتهاك الحرمات ، والخوض في أعراض الناس وأنسابهم ، فكم من كلمة أوقعت صاحبها في الإثم ؟! وكم من نظرة محرمة أردت صاحبها ؟! ، وهي مقدمة لفعل الفواحش ، من أجل ذلك سد الإسلام الباب المؤدي إلى الزنا ، فقال تعالى : ” وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ” .
والذي حدا ببعض الناس إلى هذا المستوى المذموم هو ذهاب الحياء من الله عز وجل ، فمن لم يكن له حياءٌ انغمس في الفواحش والمنكرات .