لا شك أن الراوبط التي تربط الشعبين المصرى والسودانى هى روابط عميقة ووثيقة تدعمها أواصر الدين والجنس واللغة ، والتاريخ الطويل الممتد امتداد نهر النيل فى زمانه ومكانه ، مما يجعل كلا الشعبين امتدادا طبيعيا وعمقا استراتجيا للآخر ، أو قل : إنك أمام شعب واحد يعيش على ضفاف نهر واحد نصفه فى مصر ونصفه الآخر فى السودان ، فضلا عما بين الشعبين من النسب والمصاهرة والجوار وماء النيل ومواجهة التحديات والمصير المشترك وحاجة كل منهما للآخر .
ومن خلال قراءتى للواقع العربى أدرك أنه لا يوجد خيار آخر أمام الأمة العربية لمواجهة التحديات سوى وحدة الصف والعمل العربى المشترك فى جميع المجالات ، كما أدرك أن الأمة العربية قادرة بوحدة صفها أن تشكل رقما صعبا لا يمكن تجاهله فى المحافل السياسية أو التكتلات الاقتصادية أو المنتديات الحقوقية والثقافية والفكرية الدولية ، وهى الوحدة التى دعا إليها القرآن الكريم ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” (آل عمران : 103-105).
وينهانا الحق سبحانه وتعالى عن الفرقة التي هي سبب الفشل والضعف والمذلة والهوان ، بل ذهاب الدول وتفتيت كيانها واستئصال شأفتها ، حيث يقول سبحانه وتعالى : ” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ” (الأنفال : 46) .
وأؤكد أن مصر مازالت تملك رصيدا كبيرا من التقدير والاحترام والريادة فى عالمها العربى والإسلامى ، وأن النظرة إليها هى إما نظرة إلى الوالد الحانى أو الأخ الأكبر الشقيق ، ولا شك أن هذا له ثمنه وضريبته ، وأنه يلقى على عواتقنا جميعا أمانة ثقيلة يجب وبلا تردد أن نكون أهلا لها وعلى قدر المسئولية فيها ، وألا نخذل أحدا من أشقائنا وخاصة فى لحظات احتياجه إلينا ، وأن نكون دائما فى مقدمة المدافعين عن الأمة العربية وحقوقها وقضاياها العادلة ، وأن ندرك أن بقاء أى دولة عربية قوية مرهون بأمة عربية قوية متماسكة وموحدة تعرف طريقها وأولوياتها وولاءتها وسبل عزها وقوتها وتقدمها ورقيها ، ويدرك أبناؤها جميعا أنهم يمتلكون من مقومات العزة والقوة ما يجعلهم مجتمعين فى مصاف الأمم الراقية المتقدمة لو أحسنوا ترتيب أوراقهم واستخدام أدواتهم وتنسيق مواقفهم وتمسكوا بوحدة صفهم .
وأؤكد أن الدور الدينى الوسطى والثقافى المستنير القادر على نشر سماحة الإسلام وبيان أوجه عظمته وحضارته وسعة أفقه المنقطعة النظير فى تحقيق وترسيخ أسس التعايش السلمى بين البشر فى جميع أنحاء العالم لم يعد مطلبا عربيا ولا إسلاميا فحسب ، بل صار مطلبا وأملا دوليا وعالميا ، وينظر العالم كله فى ذلك إلى مصر بأزهرها الشريف على أنها ربان السفينة وقطب الرحى ، فعلى كل مثقف مصرى واع وكل عالم أزهرى وسطى فقيه أن يدرك حجم وعظم هذه المسئولية وتلك الأمانة التى أرى أنها تجاوزت فرض الكفاية إلى فرض العين ، فالخطر على الأمة العربية والإسلامية والفكر الإسلامى جد جسيم ، وأستشعر أننا أمام قوى ظلام غاشم لا ترحم الضعفاء بل لا تحترمهم ، وربما لا تعترف بآدميتهم ولا إنسانيتهم .
وأرى أننا نملك الآن القدرة والقوة والإرادة لكن ينقصنا أن نترجم كل ذلك إلى عمل على أرض الواقع ، وأن نضع أيدينا فى أيدى أشقائنا وهم بلا أدنى شك مرحبون بنا لأن حاجة بعضنا إلى بعض متبادلة ومتساوية ليس فيها صغير وكبير ، بل نحن أمام واقع إما أن نكون معا وإما ألا نكون أصلا ، على أننى على ثقة فى الله عز وجل أننا سنكون معا على قدر المسئولية .
وإننا لعلى عهد مع الله ( عز وجل) أن نعمل لذلك ما حيينا مخلصين لله وللوطن ، فإن وصلنا إلى ما نريد من مرضاته وتحقيق أمل أمتنا فينا فذلك فضل الله وله الحمد والمنة أولا وآخرا ، وإن كانت الأخرى لا قدر الله فإننا نكون قد أعذرنا لأنفسنا ، كما أنني على أمل كبير في ألا يتأخر أحد من أهل العلم أو الفكر أو الثقافة أو يتردد في أداء واجبه الشرعي والوطني تجاه وطنه وأمتهفي مرحلة فارقة من تاريخهما ، أو أن يؤجل عمل اليوم إلى الغد ، فالمرحلة لا تحتمل تسويفا ولا تأجيلا ولا تأخرا ولا تراخيا ، إذ لا نملك رفاهية الوقت فى عالم لا يرحم المتقاعسين ، وأمة تنتظر منا الكثير لإنقاذها من براثن التشدد والغلو ، واقتلاع الإرهاب الأسود الذي يتهددها من جذوره ، وصد موجات الإلحاد والدعوات الهدامة والأصوات الداعية إلى التحلل أو الشذوذ ، والتي تشكل الوجه الآخر للتطرف ، وما ذلك على الله بعزيز .