تلقيت دعوة كريمة لحضور الملتقى الثاني لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بدولة الإمارات العربية الشقيقة , وتأملت ما جاء بالدعوة جيدًا , فاستشعرت ثقل الأمانة الملقاة علينا في ضوء تطلع الأمة كلها لدور مصر الريادي في شتى المجالات , وكان مما جاء فيها : إن دور جمهورية مصر العربية عبر تاريخها العريق في تماسك الأمة , ووقوفها حاجزًا وسدًا أمام الهجمات المتلاحقة على الأمة الإسلامية قوي وبيّن , ولا يخفى على أحد ما قامت به بلاد مصر وتقوم به في حفظ سلامة جسدها من التفتت , وتصحيح المفاهيم المنحرفة وإعادتها إلى المنهج المرضي من الأمة , وإنها لمكانة لم تزل مصر أحق بها وأهلها .
ويمكن أن نلخص ما تحتاج إليه المجتمعات المسلمة لتعزيز السلم بين أبنائها وفيما بين بعضها وبعضها في نقاط , أهمها :
1- ينبغي أن ندرس بعناية شديدة واقع المجتمعات المسلمة , لنقف أولا على واقع المجتمعات الآمنة المستقرة التي تتمتع بنعم الوحدة والأمن والاستقرار , فندرس أسباب هذا الاستقرار والسلم المجتمعي , ونعمل على دعمها وتعظيمها والإفادة منها في معالجة الظواهر السلبية في المجتمعات غير المستقرة .
كما نبحث عوامل القلق والتوتر أو الاضطراب والتناحر في المجتمعات غير المستقرة , من خلال فرق علمية وبحثية متميزة , تضم خبراء في علوم الدين والنفس والاجتماع والسياسة , وطبائع المجتمعات وعاداتها وتقاليدها وقيمها .
ومن ثمة أقترح أن يكون لنا مرصد دائم لأحوال مجتمعاتنا وما يطرأ عليها من تغيرات , وما يحدث أو ينشر فيما يتصل بحوادث العنف أو التوتر أو الصراع الديني أو الطائفي أو العرقي أو المذهبي أو الأيدولوجي .
2- ينبغي أن نسعى إلى وضع ميثاق يُعلي من قيمة الدولة الوطنية , ويرسخ أسس المواطنة الكاملة , والحقوق المتبادلة بين المواطن والدولة , فكما أن من حق المواطن أن ينعم بحقوقه كاملة غير منقوصة في دولته التي ينتمي إليها فإن من حق الدولة عليه أن يكون ولاؤه لها دون سواها , فنسعى أولا إلى ترسيخ وحدة الصف الداخلي لكل دولة من الدول , فولاء المصريين لمصر دون سواها ، وولاء الإماراتيين للإمارات دون سواها , وهكذا السعوديون , والكويتيون , واليمنيون , والسودانيون , وغيرهم من سائر الدول العربية والإسلامية , ومن باع وطنه لأي ولاءات أخرى وقع تحت طائلة القانون والخيانة الوطنية .
ثم ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثانية من التضامن والعمل على تحقيق وحدة الصف العربي والإسلامي لصالح الأمتين العربية والإسلامية , على مستويات من التكامل والتعاون والتنسيق في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية , ومن خلال علاقات الدول لا علاقات الطوائف المتباينة على حساب انتماءاتها الوطنية.
3- يجب أن نرسخ فقه التعايش السلمي بين البشر جميعًا , مؤكدين أن حضارة الإسلام قد استوعبت الجميع , وأن وثيقة المدينة التي تُعد أعظم وثيقة بشرية في تاريخ الإنسانية لتأصيل فقه العيش المشترك بين الأديان والأعراق والقبائل المختلفة قد وضعت الأصول الراسخة لهذا التعايش ولقبول الآخر .
4- ينبغي أن نؤكد أن حرية الرأي ليست أمرًا مطلقًا بلا حدود ولا ضوابط , فحرية المعتقد لا تعني التطاول على عقائد الآخرين , وحرية الرأي لا تعني النيل من الثوابت أو المقدسات , فإذا كان أصحاب المقدسات الوضعية الباطلة لا يمكن أن يفرطوا في معتقداتهم فكيف بأصحاب الديانات السماوية ؟
ومن ثمة نطالب بالعمل على استصدار قانون دولي يُجرم ازدراء المقدسات والرموز الدينية أو التطاول عليها , فليس من العدل والإنصاف أن تكون هناك قوانين تُجرم معاداة السامية وأخرى تبيح الإساءة إلى الرموز الإسلامية أو المسيحية تحت مسمى حرية الرأي أو أي مسمى آخر , ولو أطلقنا للرأي حريته اللامحدودة لأفضى بنا الأمر إما إلى صدام الحضارات , وإما إلى التطرف والإرهاب , وإما إليهما معًا .
5- أن تعزيز السلم يقتضي أن نقف وقفة رجل واحد في اصطفاف عربي وإسلامي وإنساني في مواجهة الجماعات الإرهابية الغاشمة التي تستهدف ديننا وأمتنا العربية وتُعد وصمة عار في جبين الإنسانية , ولا سيما تلك الجماعات التي تقتل وتدمر وتخرب باسم الإسلام وتحت راية القرآن , والإسلام والقرآن من كل ذلك براء .
6- أن تكف جميع الدول وبوضوح شديد عن التدخل في الشئون الداخلية لأي منها , قصد استخدام بعض الطوائف أو الجماعات أو الجمعيات لمصالحها الخاصة على حساب الانتماء الوطني ومصالح الوطن الأم لكل منها .
كما ينبغي أن يكف الجميع عن استخدام أو توظيف الأديان أو المذاهب أو الاتجاهات الفكرية والأيدولوجية توظيفًا سياسيًا لتحقيق مكاسب أو مطامع توسعية, أو بناء نفوذ قُطري على حساب الدول الأخرى , أو العمل على إثارة القلاقل فيها , وأن نكون جميعًا صادقين مع الله (عز وجل) ثم مع أنفسنا في ذلك , وألا يكون لنا في ذلك دينان أو وجهان : أحدهما نظهره والأخر نخفيه , إنما ينبغي أن يكون لنا وجه واحد ظاهره كباطنه .