*:*الأخبارأخبار الأوقاف2
وزير الأوقاف في محاضرة لعلماء دار الإفتاء بدولة جزر القمر بدار الإفتاء المصرية: إتقان العربية أحد أهم شروط المفتي والمجتهد والمفسر ويؤكد: القرآن الكريم كتاب الكمال والجمال وهو أحسن الكلم وأجمله وأعذبه وأبلغه وأحسن القصص والمفردة القرآنية لا يسد مسدها سواها
وزير الأوقاف في محاضرة لعلماء دار الإفتاء بدولة جزر القمر بدار الإفتاء المصرية:
إتقان العربية أحد أهم شروط المفتي والمجتهد والمفسر
ويؤكد:
القرآن الكريم كتاب الكمال والجمال
وهو أحسن الكلم وأجمله وأعذبه وأبلغه وأحسن القصص
والمفردة القرآنية لا يسد مسدها سواها
*********************************
في إطار دور وزارة الأوقاف المصرية في نشر صحيح الدين وتفكيك الفكر المتطرف داخل مصر وخارجها وفي إطار التعاون بين وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية، ألقى معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف محاضرة بعنوان: “أثر اللغة في فهم النص الشريف”، ضمن البرنامج التدريبي لمجموعة من علماء دار الإفتاء من دولة جزر القمر في دورة تدريبية لهم تعقد بدار الإفتاء المصرية في الفترة من 12 إلى 24 محرم 1444 هجرية الموافق 10إلى 22/8/2022م بمركز التدريب بدار الإفتاء المصرية.
وفي كلمته رحب معالي أ.د/ محمد مختار جمعة بضيوف مصر الكرام، مقدمًا خالص التهنئة لفضيلة أ.د/ شوقي علام مفتى الجمهورية لتجديد ثقة سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية في فضيلته لمدة عام متمنياً لفضيلته ولدار الإفتاء المصرية تحت قيادته مزيداً من السداد والتوفيق، كما أشار إلى أن الوزارة ودار الإفتاء المصرية يعملان معًا، فهناك تعاون وثيق بين الوزارة ودار الإفتاء المصرية من أهمها عقد أكثر من 100 مجلس إفتائي في المساجد الكبرى، كذلك في مجال التدريب، حيث شرفت أكاديمية الأوقاف الدولية بفضيلة المفتي في الكثير من الدورات التدريبية المنعقدة بأكاديمية الأوقاف الدولية، وكذلك في مجال التأليف سواء بالمشاركة أو المراجعة لبعض الكتب والتي منها كتاب: “حماية الكنائس في الإسلام”، وغيره من الكتب، كما وجه وزير الأوقاف دعوة لضيوف مصر لزيارة بمسجد الإمام الحسين، ودعاهم لحضور الأمسية الابتهالية بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) التي ستعقد يوم الخميس القادم بإذن الله تعالى، موضحًا أن هدف وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية واحد وهو نشر صحيح الدين، وتفكيك الفكر المتطرف.
مؤكدًا أن القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز، وهو كتاب الكمال والجمال، وهو أحسن الكلم وأجمله وأعذبه وأبلغه وأحسن القصص، فحين نتأمل القرآن الكريم نجد في آية واحدة بشارتان وأمران ونهيان، قال تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ”، مبينًا أن الجمال نوعان حسي ومعنوي، أما الجمال المعنوي فقد تحدث القرآن الكريم عن الصبر الجميل، والوجه الجميل، واللباس الجميل، والعيش الجميل، والصفح الجميل.
مؤصلا معاليه لهذا المعنى العظيم في الحديث عن الصبر الجميل بالعديد من الشواهد والآثار، منها: ما كان من التابعي الجليل عروة بن الزبير بن العوام (رضي الله عنهما) حين فقد ابنه وابتلي بقطع ساقه، فقال راضيا محتسبًا: اللهم إنك إن كنت قد ابتليت فقد عافيت، وإن كنت قد أخذت فقد أعطيت، لقد أعطيتني أربعة من الولد فأخذت مني واحدًا وأبقيت لي ثلاثة، وأعطيتني أربعة أطراف فأخذت مني واحدًا وأبقيت لي ثلاثة، ودخل عليه إبراهيم بن محمد بن طلحة، قائلا: أبشر يا أبا عبد الله، فقد سبقك ابن من أبنائك وعضو من أعضائك إلى الجنة، فقال سيدنا عروة بن الزبير (رضى الله عنهما) : ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به.
كما بين معاليه أن القرآن الكريم تحدث عن الصفح الجميل، مستشهدًا بما فعله نبي الله يوسف (عليه السلام) مع إخوته قال تعالى : “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”، قال الشاعر :
إذَا اعْتَذَرَ الجانِي مَحا العُذرُ ذَنْبَه
وَكُلُّ امْرئٍ لا يَقْبَلُ العُذْرَ مُذْنِبُ
كما استشهد بما كان من غلام لعمر بن عبد العزيز حينما أخطأ في حضرته، فقال الغلام: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ”، قال: كظمت غيظي، فقال: “وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس”، قال: قد عفوت عنك، قال: “وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، قال: أنت حر لوجه الله.
كما بين معاليه أن الهجر الجميل الذي لا أذى معه يقول الحق سبحانه: “وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا”، وهو الذي لا أذى معه، ولا انتقام فيه، والسراح الجميل هو السراح الذي لا عضل معه ولا ظلم للمرأة فيه، قال تعالى: “وسرحوهن سراحًا جميلا”، وأما اللباس الجميل هو لباس التقوى، قال تعالى: “ولباس التقوى ذلك خير”، قال الشاعر:
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها
فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا
فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا
شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ
وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا
عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
وقد تحدث القرآن الكريم عن الوجه الجميل، فقال تعالى: “وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة”، وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : “سيماهم في وجوههم من أثر السجود”، ليس المقصود تلك العلامة الموجودة في جبهة الإنسان، فربما هذه طبيعة الجلد، لكن المقصود هو نضرة في الوجه من الطاعة، والعيش الجميل هو الذي جاء فيه قوله تعالى: “فهو في عيشة راضية”، وهي عيشة الجنة، وأما التحية الجميلة فهي التي لا تفرق فيها بين غني وفقير، قال تعالى: “تحيتهم يوم يلقونه سلام” وهي التحية التي علمنا إياها النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال الشاعر :
يحيي الناس كل غني قوم
ويبخل بالسلام على الفقير
ويوسع للغني إذا رأوه
ويحبى بالتحية والأمير
والقول الجميل كما في قوله تعالى: “قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى”.
كما تحدث معاليه عن الجانب اللغوي مؤكدًا أن المفردة القرآنية لا يسد مسدها سواها، من ذلك قوله تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ”، فعند الحديث عن أهل جهنم جاءت كلمة “فُتِحَتْ” بدون واو، بينما جاءت في الحديث عن أهل الجنة “وَفُتِحَتْ” مسبوقة بالواو، قال بعض العلماء : إنها واو الحال، والمعنى : جاءوا الجنة والحال أنها مفتوحة أمامهم وهذا من إكرام الله تعالى لعباده المؤمنين، “جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ”، أما أهل جهنم فيأخذهم العذاب بغتة، وقال بعضهم : إن هذه الواو واو الثمانية، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تقول العدد : واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، فتأتي بالواو مع العدد الثامن، والقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، فنزل مراعيًا بعض لهجات القبائل، ولهذا نظائر منها : قوله تعالى: “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ” بدون واو في الموضعين : “وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ”، فجاءت الواو مع العدد الثامن على لهجة من يأتي بالواو مع العدد الثامن، ومنها : قوله تعالى في سورة التوبة : “التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ”، فجاءت الواو مع العدد الثامن، ومنها قوله تعالى في سورة التحريم : “عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا”، فذكرت الواو أيضًا مع العدد الثامن، وهي مع هذا تفيد التنويع ؛ لأن النساء إما ثيباتٍ وإما أبكارًا، ولا مانع أن تفيد التنويع مع واو الثمانية أيضًا، مبينا معاليه الحكمة من واو الثمــانية في قــوله تعالى : “وَفُتِحَتْ” في الحديث عن أهل الجنة دون قوله تعالى : “فُتِحَتْ” في الحديث عن أهل النار، لأنّ أبواب النار سبعة لقوله تعالى : “لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لِكُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُوم”، أما أبواب الجنة فثمانية حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”، فلما كانت أبواب جهنم سبعة لم يؤت معها بالواو، لأن العرب لا تأتي بالواو مع العدد السابع، ولما كانت أبواب الجنة ثمانية أُتي معها بالواو، على لغة بعض القبائل العربية.
وعن كلمة “إِصْلَاحٌ” في قوله تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ”، أكد وزير الأوقاف أننا لو نقبنا في اللغة العربية على طولها واتساعها، فلن نجد كلمة واحدة تقوم مقام كلمة الإصلاح وتسدّ مسدّها، فبعض الناس يتحدثون عن كفالة اليتيم، والعناية به، فنقول : “اليتيم قد يكون فقيرًا فيحتاج إلى الإطعام أو الكسوة أو المسكن أو نحو ذلك، فيكون الإصلاح لليتيم الفقير أن يوفر له طعامه، أو كسوته، أو المسكن اللازم له أو نحو ذلك، وقد يكون اليتيم غنيًّا ولكن لا عائل له من أهله وخاصته، فيحتاج إلى من يقوم على صناعته وتجارته وزراعته، فيكون الإصلاح القيام بذلك والعناية بأمواله والحفاظ عليها واستثمارها، ويقضي له ما يحتاج إلى قضائه، وقد يكون اليتيم غنيًّا وله من يقوم على رعايته واستثمار ماله وإنما يحتاج إلى الرحمة وحسن المعاملة وأن يكون كل إنسان له أبًا، فإذا ذهب إلى الطبيب وجد أبًا حانيًا، وإذا ذهب إلى المدرسة وجد أبًا حانيًا، فيكون كذلك في كل شئون الحياة، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ مَسَحَ رَأْسَ الْيَتِيمِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ حَسَنَةً”، وقد يحتاج اليتيم إلى التهذيب والتقويم والتعليم من كافله أو ولي أمره، وأن يجعله في ذلك كولده، يقول (صلى الله عليه وسلم): “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه يعني السبابة والوسطى”.
وعن الباء في قوله تعالى : “وامسحوا برؤوسكم”، موضحًا أن العلماء اختلفوا في مقدار مسح الرأس فمن رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) يمسح كل رأسه حمل الباء على مسح جميع الرأس، ومن رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) يمسح بعض رأسه حمل الباء على التبعيض، ومن رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) يمسح ربع رأسه قال ربع الرأس، لكن المالكية يقولون الباء للتأكيد وعند الشافعية قالوا الباء للتبعيض، وعندما يكون هناك آراء متعددة إما أن ترجح بين الأدلة وإما أن تجمع بينها إن أمكن، فإن قلت إن الباء للتأكيد انصرف المعنى إلى كل الرأس، وإن قلت للتبعيض انصرف المعنى إلى بعض الرأس، وعند الأحناف قالوا ربع الرأس، وأما موضع الباء من اللغة؟ فقالوا الباء هنا للإلصاق، نقول مسحت المكتب بيميني، ونقول مسحت يميني بالمكتب، هناك فرق بينهما ففي الأولى آلة المسح اليد ومحل المسح المكتب، قالوا إذا دخلت الباء على الآلة تعم المحل، وإذا دخلت الباء على المحل تعم الآلة.
وفي ختام المحاضرة أكد وزير الأوقاف أن إتقان العربية أحد أهم شروط المفتي والمجتهد والمفسر، فهي أداة فهم النص الشرعي، مشيرًا إلى أن وزارة الأوقاف أصدرت كتاب: “أساسيات اللغة العربية للكتاب والمتحدثين”، يضم القواعد اللازمة لفهم اللغة العربية، بأسلوب بسيط، وقد تم إهداء نسخة من الكتاب لعلماء دار الإفتاء بدولة جزر القمر في نهاية المحاضرة.