لا شك أن أي دولة نامية تريد أن تلحق بركب الأمم المتقدمة لا بد أن تقهر الثالوث المخيف : الفقر ، والجهل ، والمرض ، وأن الأمم التي عانت من تراكمات كبيرة عبر الزمن في هذا الثالوث المدمر إنما عليها أن تتحمل الكثير ، وأن تبذل أكثر من الفكر والجهد والعرق لتقضي على الآثار المدمرة لهذا الثالوث ، فهي في حاجة إلى مزيد من العمل والإنتاج ، والسهر و الدأب ، وترشيد الإنفاق ، وتدبير الموارد لتسد العجز وتدبر الاحتياجات الأساسية لشعوبها .
وإذا كانت الكثرة من أبناء هذه الأمم قد عانت من بعض الأمراض الخطيرة والمزمنة فإن الأمر يكون أشق وأصعب ، فإلى جانب الاحتياجات التي ذُكرت فإن علاج هذه الأمراض يتطلب موارد وتدابير إضافية لإقامة المستشفيات ، وعلاج المرضى ، وتأهيل الكوادر الطبية الكافية ، إضافة إلى تطوير البحث العلمي في مجال العلوم الطبية وصناعة الدواء ، على أن كل هذا إنما يسلمنا إلى القضية الأم وهي التعليم والبحث العلمي .
فالتعليم الذي يعمل السيد رئيس الوزراء المهندس / إبراهيم محلب على اقتحام مشكلاته من خلال لجنة وطنية عليا يرأسها بنفسه لأهميتها إنما يحتاج إلى جهود وطنية جبارة لإصلاح ما أصاب بعض مؤسساته وبُناه التحتية من خلل يصل في بعض جوانبه إلى حد العطب ، ونرصد هنا بعض المشكلات التي قد تحتاج إلى جراحة سريعة ، ومن أهمها : التعليم الموازي ، أو التعليم خارج النسق أو خارج الإطار ، أو بيع الوهم التعليمي في بعض المؤسسات غير المعتمدة التي قد تحمل أسماء عالمية أو دولية دون رخصة معتمدة ، وبخاصة فيما يعرف بكليات القمة والعلوم العصرية والتكنولوجية الحديثة ، وفيما يتصل ،بالتعليم الديني الموازي في تلك المعاهد الثقافية والدينية التي تتبع بعض الجماعات والجمعيات والتي تجاوز عددها العشرات دون حسيب أو رقيب .
وقد طالبنا ومازلنا نطالب في هذا المجال بغلق أي مؤسسة علمية أو تعليمية لا تخضع للإشراف الرسمي للمؤسسات العلمية والتعليمية والتربوية المعتمدة ، بخضوعها المباشر لإشراف وزارة التعليم العالي فيما يتصل بالتعليم الجامعي والمعاهد العليا وفوق المتوسطة، أو لوزارة التربية والتعليم ، أو التعليم الفني في التعليم قبل الجامعي ، أو للأزهر الشريف في قطاع المعاهد في التعليم الديني قبل الجامعي ، أو لجامعة الأزهر في التعليم الديني الجامعي ، أو للأزهر الشريف أو لوزارة الأوقاف فيما يخص معاهد الثقافة الإسلامية، مع مطالبتنا الواضحة بتجريم افتتاح أو ممارسة أي أنشطة تعليمية خارج نطاق القانون ، وعدم السماح لأي مؤسسات أو جهات غير تعليمية بإصدار موافقات لأي نشاط تعليمي لبعض الجهات أو الجمعيات ، فكما أن وزارة الصحة هي المنوطة بإصدار التراخيص الطبية ، ونقابة المحامين هي المختصة بإصدار تصاريح ممارسة المهنة ، فإن الجهات العلمية والتعليمية هي التي يُناط بها دون سواها إصدار الموافقات اللازمة في مجال اختصاصها ووفق قانون يحدد الاختصاصات والشروط والإجراءات اللازمة لذلك .
وفي تدريس مواد التربية الدينية والثقافة الإسلامية أو بعض المقررات الثقافية فإننا نحذر من الانفلات الذي يحدث ، سواء في إسناد تدريسها إلى غير المتخصصين ، أم في تحايل بعض المدارس الخاصة ، وعلى وجه أخص تلك المدارس التابعة لبعض الجمعيات الدينية أو بعض المدارس الدولية في تدريس مقررات بديلة أو مصاحبة أو إضافية تتبنى توجهات معينة قد تجنح إلى التشدد الذي يؤدي إلى التطرف أحيانا ، أو التسيب الذي يؤدي إلى التفكير في الإلحاد أو الخروج على القيم ، أو تكوين ولاءات غير وطنية أحيانا أخرى ، مما يجعلني أؤكد وبشدة على ضرورة توحيد المناهج الأساسية ، وبخاصة الثقافية والدينية ومواد التاريخ والتربية القومية والوطنية في جميع المدارس العامة والخاصة والدولية ، وأهمية المتابعة المستمرة والمراقبة ، وبخاصة في المدارس التابعة لبعض الجمعيات والتي لا يزال – حتى كتابة هذا المقال – يسيطر على بعضها المنتمون إلى تيارات متشددة يُعد إسلام عقول بعض أبنائنا إليها لتربيتها خطرًا داهما على أمننا القومي والفكري وتماسك نسيجنا المجتمعي .
كما أن منظومة الامتحانات تحتاج إلى مراجعة ، سواء في ماهية الامتحان وطبيعته ، أم في دقته والأمانة فيه مراقبةً وتصحيحاً ، مع تجريم كل ألوان الغش .
وإذا كان الغش مذموما على كل حال فإنه فيما يتصل بتربية العقول يكون أشد جرما وحرمة ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من غشنا فليس منا ” ، كما أن الممتحن قاضٍ والمصحح قاضٍ ، والقضاة ثلاثة : قاض في الجنة ، وقاضيان في النار ، أما الذي في الجنة فهو من علم الحق و قضى به ، وأما الآخران فمن قضى بدون علم، أو علم وقضى بغير الحق .
فلا بد من الدقة ومراعاة الضمير ، وإعطاء كل طالب حقه دون زيادة أو نقصان، مع يقيننا أننا محاسبون عن ذلك كله أمام الله (عز وجل) ، وأنها أمانة ، فإما حافظ و إما مُضيّع .