أزمة الأخلاق والقيم
الاعتراف بالأزمة أول طرق حلها ، والسؤال الذي يطرح نفسه : هل نحن أمة الأخلاق حقًّا تنظيرًا وتطبيقًا ؟ وهل نحن على الطريق الصحيح في ذلك ؟ وهل نحن على مستوى موروثنا الحضاري وخلفياتنا الثقافية ؟ أو أن مجتمعاتنا تتعرض لموجات حادة تعمل على زلزلة القيم المتأصلة في أعماق مجتمعاتنا ؟.
أما من جهة التنظير فربما لا يماري أحد أننا أمة الأخلاق والقيم ، وأن رسالة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) مبنية على مكارم الأخلاق ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخْلاَقِ” (موطأ مالك) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ “(صحيح مسلم) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ” (سنن الترمذي) ، ول ما سئل (صلى الله عليه وسلم) : ما أكثر ما يدخل الجنة ؟ قال (صلى الله عليه وسلم) : ” أَكْثَر مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى الله وَحُسْنُ الْخُلُقِ” (مسند أحمد) .
ومن يراجـع ثقافتنـا المصـرية منذ القـدم ما دُوِّن منـها على البرديــات ومـا سجل على الحفريات يدرك أننا أمة الأخلاق والقيم ، ومن يرجع بالذاكرة لعدة عقود مضت يجد عراقة وأصالة ونبلاً ،وقد عُرف العربي حتى في جاهليتـه بالنبـل ، والشهـامة ، والنخـوة ، والمروءة ، والكرم ، والوفاء ، والحمية للأرض والعرض .
وجاء الإسلام فأكد على هذه القيم النبيلة وعمل على ترسيخها وتزكيتها وتوجيهها توجيهًا أكثر صفاءً ونقاءً ، فخلَّص صفات الكرم والنخوة والمروءة مما علق بها من المفاخرة والمباهاة إلى ابتغاء وجه الله وصالح الإنسان، لتتغير من المباهاة والمفاخرة والمن والأذى ، واقتصارها على أكابر الناس دون مساكينهم إلى شمولها وعمومها وإخلاص النية فيها لله (عز وجل).
على أن أمر الأخلاق يتسع ويتجاوز الصدق والأمانة والوفاء إلى الرحمة والسماحة بيعًا وشراء وقضاء ، والتخلص من كل أدواء الأثرة والأنانية والجشع والاحتكار والاستغلال ، ولا شك أن الجشع أكبر داء أخلاقي في مجال الحياة الاجتماعية ، وهو ما يعبر عن أزمة قيم أخلاقية وإنسانية ، ويدفعنا دفعًا وعلماء النفس والاجتماع لتحليل هذه الأدواء السلبية والعمل معًا على معالجتها وتخليص المجتمع من آثارها المدمر ، فإذا انتشرت أدواء الجشع والأثرة والأنانية تحول المجتمع إلى ما يشبه الغابة الإنسانية التي لا تعرف الرحمة ، وهو ما يحذر منه نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) ، حيث يقول (عليه الصلاة والسلام) : ” مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ” (صحيح البخاري) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “الرَّاحِمونَ يَرحَمُهمُ الرَّحمنُ ، ارْحَموا أهْلَ الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ”(سنن أبي داود).
ويقول (صلى الله عليه وسلم) ” مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أنْ يُغْلِيَ بِها على المسلمينَ فهوَ خَاطِئٌ ” (أخرجه أحمد ) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم ) : “من دخلَ في شيٍء من أسعارِ المسلمينَ ليُغْلِيَهُ عليهم فإنَّ حقًّا على اللهِ تبارَك وتعالَى أن يُقعدَهُ بعُظْمٍ من النارِ يومَ القيامةِ ” (مسند أحمد) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم: “مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ, وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ” (أبو داود) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم):” لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرام” (صحيح البخاري).