*:مقالات

فقه الدعوة (1)

فقه الدعوة (1)

الدعوة علم وفن وخبرة ودربة، لا يُكتفى فيها بمجرد التحصيل العلمي، إنما تحتاج إلى مقومات عدة، لا شك أن فى مقدمتها إخلاص النية فيها لله (عز وجل)، إذ يقول الحق، سبحانه وتعالي: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (فصلت: 33)، فلا يتاجر الداعى بدعوته، ولا يجعلها مطية إلى الدنيا.

فالأنبياء جميعًا قد أكدوا عدم طلب الأجر على دعوتهم إلى الله (عز وجل)، إذ يقول الحق، سبحانه، على لسان نوح (عليه السلام) : «وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ» (هود:29).

وهو عين ما جاء على لسان هود (عليه السلام): «وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الشعراء: 127)، وعلى لسان صالح (عليه السلام): «وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الشعراء: 145).

وعلى لسان لوط (عليه السلام): «وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الشعراء: 164)، وعلى لسان شعيب (عليه السلام): «وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الشعراء: 180).

ويقول الحق سبحانه وتعالى على لسان رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم): «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِى إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ» (سبأ: 47).

ومن أهم عوامل نجاح الدعوة مراعاة حال المدعو وثقافته ومدى قدرته على الفهم، واستيعاب ما يُلقى إليه.

وقد كان الإمام على (رضى الله عنه) يقول: «خاطبوا الناس بما يفهمون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟»، لأنك إذا خاطبت إنسانًا بما لا يستوعب ربما قال لك: «لا أصدق ذلك».

ومن هذه العوامل أيضا مراعاة ظروف البيئة المحيطة، وعادات الناس وتقاليدهم وظروف زمانهم ومكانهم، وهو ما أكده أهل العلم من أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأحوال، وأن ما كان راجحًا فى عصر قد يصبح مرجوحًا فى عصر آخر، وما كان مرجوحًا قد يصبح راجحًا إذا تغيرت الظروف والأحوال والبيئات، وعلى العالم والواعظ والمجتهد والمفتى مراعاة كل ذلك.

ومن أهم ما ينبغى أن يراعيه الداعى إلى الله (عز وجل) سد ذرائع المتربصين بالدعوة والدعاة، وذلك بانتقاء الألفاظ واختيار الكلمات، والنأى بالخطاب الدعوى عن كل ما هو مُلبس من العبارات أو الألفاظ التى تحتمل كثيرًا من الوجوه والتأويلات، حتى لا يترك للمتربصين منافذ يُؤتوا من قبلها.

كما أنه لا بد من التفرقة بوضوح شديد بين ما هو جائز وما هو واقع، وما يمكن أن يطرح مما هو جائز وما لا ينبغى طرحه للعامة على أقل تقدير، فليس كل مباح مستساغا لدى جميع الخلق وفى جميع البيئات، فينبغى مراعاة تغير الزمان والمكان فى ذلك بفطنة وحنكة وذكاء.

ويراعى الداعى فى ذلك حالة الرقى والتقدم والمدنية المتسارعة فى عالم اليوم، وكل ما يتصل بها من عوامل الحضارة والتطور الإنساني، وما تقتضيه النظم «البروتوكولية» الحديثة والعصرية.

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى