الآداب العامة
الآداب العامة
ديننا الحنيف هو دين الجمال والرقى والذوق السليم والحس الإنسانى المرهف، فكل ما يتسق مع الآداب الإنسانية العامة هو من صميم الفطرة السليمة التى فطر الله الناس عليها، قال تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا».
والأمم المتحضرة والدول الراقية هى التى تجعل من مراعاة الآداب العامة منهج حياة، ولا تعد هذه الآداب من نافلة القول أو على هامش أولوياتها، فالآداب العامة لا تنفك عن منظومة القيم والأخلاق الإنسانية الراقية، والتحلى بها دليل على حب الله (عز وجل) للعبد، إذ يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا».
ولا شك أن الإسلام قائم على كل ما ينمى الذوق، ويرسخ القيم الإنسانية السوية، ويسهم فى تكوين الرقى الشخصى والمجتمعى، وينشر القيم الحضارية، ويؤدى إلى تأصيلها وتجذيرها فى نفوس الناس جميعًا.
وقد حرص الإسلام على تعليم أتباعه القيم الراقية، وتنشئتهم عليها منذ نعومة أظفارهم، سواء فيما بينهم وبين أنفسهم أم فيما بينهم وبين الناس، فهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) عندما رأى صبيًّا تطيش يده فى إناء الطعام، علمه ووجهه بما يهذب ذوقه وطبعه، فقال (صلى الله عليه وسلم) له: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللَّه تَعَالَى، وَكُلْ بيمينِكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، يستوى فى ذلك حال من أكل منفردًا ومن أكل مع غيره من الناس.
ورغَّب الشرع الشريف فى التحلى بحسن الخلق فى كل مناحى الحياة، حتى صار حسن الخلق علامة على خيرية صاحبه وحسن إسلامه، إذ يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّى مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «الدين حسن الخلق»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ”، وقال (صلى الله عليه وسلم): «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ».
ومن أهم الآداب العامة نرصد: أدب الطعام والشراب، وأهمها حله وطهارته، يقول نبينا (صلَّى الله عليه وسلَّمَ) لسيدنا سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه): «يا سعدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ، والَّذى نفْسُ مُحمَّدٍ بيدِهِ, إنَّ العبدَ لَيَقذِفُ اللُّقمةَ الحرامَ فى جَوفِهِ ما يُتقبَّلُ منه عملٌ أربعينَ يومًا, وأيُّما عبدٍ نَبَتَ لحمُهُ مِن سُحْتٍ, فالنَّارُ أَوْلى به».
وأدب اللباس بأن يكون ساترًا للعورة، وليس لباس كبر ولا خيلاء، إذ يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لا ينظرُ اللهُ يومَ القيامةِ إلى من جرَّ ثوبَه من الخُيلاءِ».
وأدب الطريق ومن أهمها غض البصر، وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إذ يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) محذرًا: «إيَّاكُمْ والجُلُوسَ بالطُّرُقاتِ فقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما لنا مِن مَجالِسِنا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فيها، فقالَ: إذْ أبَيْتُمْ إلَّا المَجْلِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قالوا: وما حَقُّ الطَّرِيقِ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذَى، ورَدُّ السَّلامِ، والأمْرُ بالمَعروفِ، والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ».
وأدب النوم، ومن أهمها أن ينام وليس فى نفسه لأحد من الناس غش ولا حسد على خير أعطاه الله (عز وجل) إياه، إذ سأل سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص (رضى الله عنهما) رجلًا شهد له نبينا (صلى الله عليه وسلم) بالجنة عن عمله الذى يعمله حتى يشهد له النبى (صلى الله عليه وسلم) بالجنة فقال: «ما هو إلا ما رأيت، غير أنِّى لا أجد فى نفسى لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التى بلغت بك، وهى التى لا نطيق».